من أجل كرامتكم .. مات كاريكا - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 6:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أجل كرامتكم .. مات كاريكا

نشر فى : الجمعة 20 ديسمبر 2013 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 20 ديسمبر 2013 - 8:50 ص

انا مبقاش راجل لو منزلتش وقعدت جنبك يا أمى على الكنبة لأن دا ممكن يحصل لمنة أختى لو سكتنا) (نفسى أموت شهيد زى الشيخ عماد عفت) (عايز تعيش حيوان براحتك! عايز تعيش عبد حقك! بس ما تلومش على اللى عايز يعيش انسان حر وعنده كرامة).

كانت هذه آخر كلمات الشهيد محمد مصطفى (كاريكا) طالب هندسة عين شمس الذى لقى ربه فى أحداث مجلس الوزراء ديسمبر 2011، لم يكن محمد من أطفال الشوارع المأجورين الذين اجتمع الاخوان والفلول حينها على أنهم يقفون وراء الأحداث، والده مهندس ووالدته طبيبة وهم أسرة ميسورة الحال حصل الشهيد على منحة لاستكمال دراسة الهندسة بجامعة هيوستن الامريكية وكان موعد سفره المقرر بعد أربعة أيام من استشهاده.

لم يكن متفوقا فقط فى دراسته بل كان بطلا رياضيا منذ طفولته حيث بدأ السباحة مع النادى الأهلى وعمره 3 سنوات والتحق بفريق السباحة بالنادى وحصل على ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية فى بطولات الجمهورية والقاهرة وسافر مع الفريق إلى بطولة دارمشتاد للسباحة بألمانيا وحصل على الميدالية الفضية وانضم أيضا إلى فريق الأهلى للتنس وتعلم عزف الموسيقى، بالإضافة إلى عضويته بألتراس النادى الأهلى.

كان يقول لوالده وهو طفل (أنا عايز أدخل الجيش واحارب اسرائيل وأحرر فلسطين) فيقول له والده (إنت ملكش جيش انت وحيد اخواتك البنات) فيقول له (سأتطوع حتى أموت شهيدا)، لم يحتمل مشهد الفتاة المسحولة والتى تمت تعريتها أمام شاشات التلفاز ونزل على الفور وشارك فى جنازة الشيخ عماد عفت وزميله بنفس الجامعة علاء عبدالهادى ولم يكن يدرى أنه سيلحق بهم بعد عدة ساعات.

كنت فى هذه الليلة قبل بزوغ فجر يوم 20 ديسمبر فى ميدان التحرير بعد انتهاء انتخابات البرلمان ومعى الدكتور عمرو حمزاوى وكنا نحاول بذل الجهد وممارسة الضغط على المجلس العسكرى والداخلية لايقاف الدماء التى تسيل ورأيت بعينى الرصاصات الغادرة تنطلق من ناحية مجمع التحرير وإشارة عمر مكرم، كان الظلام دامسا فى هذا الاتجاه، لم أكن أدرى أن الشهيد قد انطلق من بيننا ونحن لا نعرفه يجرى بسرعة ناحية ضرب الرصاص لتنبيه وانقاذ أصدقائه الموجودين فى هذا المكان من الميدان وسرعان ما انطلقت صرخات متتالية وحمل مجموعة من الشباب جسدا لشاب طويل ونحيف والدماء تقطر من جسده لترسم خطا بدأ من مكان قتله حين أصابته الرصاصة الغادرة فى ظهره وامتد خط الدماء يرسم مسارا للألم لم ينته حتى الآن ولكنه توقف على مشارف الميدان فى الاتجاه للمتحف حيث ظهر موتوسيكل حمل جسد كاريكا بعد أن تم منع سيارات الاسعاف من التواجد بالميدان وكذلك منع أى وسائل إعلام وفضائيات من الدخول للميدان لتتم الجريمة فى الظلام وسط الصمت، وبينما كانت دماء الشهيد تسيل وقبل أن يفقد وعيه نادى صديقه وهمس (قولوا لماما ما تزعلش منى أنا مكنتش عايز أزعلها لكن نزلت عشان الحق والكرامة والناس المظلومة).

•••

وصل الجسد النازف إلى مستشفى الهلال بعد أن فقد كثيرا من دمائه فى جريمة قتل عمد وانتحار للإنسانية ووقف الأطباء والجراحون يحاولون إنقاذ هذه الروح البريئة وأخبرنى الدكتور علاء فايز ــ رحمه الله ــ رئيس جامعة عين شمس السابق والذى كان على رأس الفريق الجراحى الذى يحاول إنقاذ حياة محمد أنهم كانوا يشعرون أن جسده يقاوم الموت رغم كمية النزف الهائلة بسبب عدم وجود سيارة اسعاف بالميدان ولكن بعد ساعات صعدت الروح إلى بارئها.

كانت شقيقته الكبرى الطبيبة مع الفريق الجراحى تنظر لعينى أخيها وتخاطبه بدموعها: لا تمت يا حبيبى أنت سندى وسند أخواتك البنات.. لا تفارقنا نحن نحتاجك، لكن روحه ارتقت إلى دار الآخرة لتسطر فصلا جديدا من فصول المواجهة بين جيل يرفض الذل والاستعباد وسلطة لم تستوعب أن الدماء تفتح أبواب الحرية.

مات محمد وعلى اصبعه الختم الفوسفورى الخاص بالانتخابات بعد أن شارك فيها وصنع حملة انتخابية بمفرده ضد مرشحى الإخوان الذين قال لوالدته عنهم: لو وصل الاخوان للحكم سيكونون مثل السرطان الذى لن يتركنا.. وفى نفس الوقت كان يقول لأصدقائه الذين كانوا يحثونه على عدم النزول والاستعداد للسفر لأمريكا لاستكمال دراسته: أنا هنزل عشان عندى 3 أخوات بنات مش هسمح ان يحصل فيهم كدا، احنا مانزلناش الثورة عشان يعسكروا الدولة ويخلونا عبيد احنا بنحب جيشنا ونفديه بدمنا لكن مش معنى كدا انه يحكمنا، اللى بيحب جيشه يبعده عن السياسة!.

•••

ضحى الشهيد بروحه وعمره 19 سنة ولو عاش لكان اليوم حاصلا على بكالوريوس الهندسة من أرقى جامعات العالم، كان يقول لشقيقته لن تتقدم مصر إلا إذا استعاد الانسان كرامته وانسانيته، طالما أن هناك فقرا وعشوائيات وبشرا يموتون لأنهم لا يجدون لقمة العيش ولا الدواء.. لن تقوم مصر ولن تنجح الثورة.

أيها الشهيد الغالى لن ننسى نخوتك وإباءك.. لن ننسى خط الدماء الذى رسمته روحك فى ميدان الثورة، كنت صاحب مبدأ ومتَّ من أجله لم تغير أفكارك ولم تصمت حين أهين الانسان لم تصغ لمن قالوا لك لا تهتم بالوطن واهتم بنفسك ومستقبلك قلت لهم إن مستقبل بلدى هو مستقبلى وأنا أدافع عن مستقبلى طبت حيا وميتا وستبقى دماؤك لعنة على قاتليك وعلى من يضيعون حقك بالانهزام والخضوع لما دفعت روحك فى مواجهته ورفضه.

الوداع يا شهيد جمعنا الله بك شهداء وأسكننا منزلك وجوارك فى أمان الله.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات