التدخل «اللعين» للكاتب - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 3:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التدخل «اللعين» للكاتب

نشر فى : الخميس 19 أكتوبر 2023 - 7:25 م | آخر تحديث : الخميس 19 أكتوبر 2023 - 7:25 م

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، يشير فيه إلى إمكانية التجرد من العواطف والأنا فى العلم بالاعتماد على الفحص والتجربة فى المختبرات والمعامل، لكن لا يمكن للفن ــ تحديدا المؤلف ــ التجرد من عواطفه وأفكاره، فالأنا فى الفن هى الفاعل والمفعول به... نعرض من المقال ما يلى:
قبل عدة أيام خلصنا إلى أن محلية الأدب الصادقة والصميمة هى شرط عالميته، بعد استعراضنا لما شرحته الروائية التشيلية، إيزابيل الليندى، عن انطباعها عن أدب ابن قارتها، أمريكا اللاتينية، جابرييل ماركيز، موضحة أن ماركيز قبل أن يصبح عالميا نجح فى تعريف أهل القارة بأنفسهم، وبكلماتها: «أخبرنا من نحن. رأينا أنفسنا فى مرآته».
نبقى اليوم أيضا فى أجواء أمريكا اللاتينية، لنشير إلى أن العنوان الذى تجدونه أعلى المقال هو قول لأديب من تلك القارة، الأرجنتينى إرنستو ساباتو، فى مقالٍ له، قصير وغنى فى الآن ذاته، يقارب فيه المسألة نفسها، وإن يكن من زاوية مختلفة، ولا يدخل وصف هذا التدخل بـ«اللعين» فى خانة الهجاء أو الذم. لعله فى ذلك يشبه ما يُعرف بـ«الوعى الشقى».
يقول ساباتو: «فلنعتبر أن شجرة ما يرسمها أولا ميليت، وبعد ذلك يرسمها فان جوخ، فالنتيجة أننا سنجد شجرتين مختلفتين بمقتضى ذلك التدخل اللعين للمؤلف، إن ذلك الاقتحام الحتمى للفنان فى الشىء هو ما يجعل شجرة فان جوخ أعظم من شجرة ميليت ومن شجرة أى مصور آخر، وأكثر من ذلك، فإن تلك الشجرة هى صورة لروح فان جوخ».
ليس جديدا التفريق بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. قدرة المشتغلين بالأولى على فحص فرضياتهم فى المختبرات للتأكد من صحتها ليست متاحة للمشتغلين بالثانية، أكان ذلك فى التاريخ أو علم الاجتماع أو الاقتصاد أو سواها، لكن ساباتو يقيم أيضا مقابلة بين الفن والعلم، فيستشهد بقولٍ لعالم الرياضيات الفرنسى بوانكاريه يمكن صوغه فى التالى: الرياضيات هى فن التفكير الصحيح فى صورة غير صحيحة، فالمثلث المرسوم على اللوحة ليس هو بالضرورة المثلث الحقيقى الأفلاطونى، إنه مجرد دليل «فظ» للإرشاد الذهنى. فى الفن يختلف الأمر، بل إنه معكوس تماما، فالمهم فيه هو الرسم البيانى الشخصى والوحيد، والتعبير الفردى المحدد، فإذا وصل المبدع إلى العالمية، فنانا كان أو كاتبا، فإن ذلك لم يتحقق بالهروب مما هو فردى، إنما بالعكس.
برأى ساباتو، يمكن للعلم أن يستغنى عن الأنا، بل ينبغى عليه أن يفعل ذلك، لكن الفن ليس فقط لا يستطيع ذلك، إنما يتعين عليه ألا يحاول، وعن أحد الفلاسفة الألمان ينقل قوله: «الأشياء فى الفن هى إبداعات الروح، فالأنا هى الفاعل وفى الوقت نفسه المفعول به».
وليس هذا الفيلسوف وحده من يستشهد به ساباتو، وإنما ينقل عن بودلير قولا يؤكد الفكرة نفسها: «فلنعر للشجرة عواطفنا ورغباتنا أو أحزاننا فأناتها وتمايلها هما أناتنا وتمايلنا، وسرعان ما نصبح نحن هذه الشجرة أيضا».

التعليقات