عن «العمارة» وسياسات التغيير فى مصر! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن «العمارة» وسياسات التغيير فى مصر!

نشر فى : السبت 19 مارس 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : السبت 19 مارس 2022 - 7:25 م

ــ 1 ــ
لا بد لى من الاعتراف بأن هذا الكتاب القيم الصادر عن المركز القومى للترجمة (2021)، مثّل لى مفاجأة من وجوه عدة؛ بموضوعه أولًا الذى بدأ يتنامى الاهتمام به خارج دائرة المختصين والمعنيين فقط، وأصبح من اهتمامات وشواغل المواطن المثقف العادى الذى انتبه إلى ما تحوزه مصر من ثروة معمارية هائلة تعرضت (وما زالت) لعمليات هدر وإزالة مرعبة، لكن بفضل هذا الاهتمام الذى أشرت إليه، فلربما كان هناك بارقة أمل فى الوصول إلى صيغة آمنة وقابلة للتنفيذ للحفاظ على ما تبقى من ثروتنا المعمارية القديمة والحديثة على السواء.
أما مؤلف هذا الكتاب؛ محمد الشاهد، فلم أكن أعرفه ولا سمعت به من قبل حتى فوجئت بصديقتى العزيزة المترجمة الرائعة ريم داود تنشر مراجعة مثيرة ورائعة عن كتابه الصادر بالإنجليزية عن الجامعة الأمريكية بعنوان «القاهرة منذ 1900» الصادر عن منشورات الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ولقد أغرانى ما كتبته بالبحث عن المؤلف، وعن أعماله المنشورة، وعما إذا كان له شيء منشور بالعربية.

ــ 2 ــ
وبالرجوع إلى صديقى العزيز الكاتب المبدع والناشط المهتم بالتراث المعمارى والحفاظ على ما تبقى من الطابع العمرانى لمصر الجديدة؛ ميشيل حنا أخبرنى أن محمد الشاهد أحد كبار المتخصصين فى العمارة والتراث المعمارى، حصل على شهادة البكالوريوس فى الهندسة المعمارية من معهد نيوجيرسى للتكنولوجيا، وعلى درجة الماجستير فى الهندسة المعمارية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، موضحًا أن جهوده تمثل حلقة بالغة الأهمية تضاف إلى جهود الدكتورة جليلة القاضى، ومونيكا حنا، وميشيل حنا نفسه، وغيرهم من المهتمين بثروتنا الجمالية والتاريخية والأثرية من العمارة والبنايات، وكل أشكال وتكوينات العمارة فى مصر خلال القرون الماضية.
ولم أكذِّب خبرًا، بمجرد ما وجدت كتابه «الحداثة الثورية ـ العمارة وسياسات التغيير فى مصر (1936ــ1967)»، أمامى فى المركز القومى للترجمة حتى اقتنيته فورًا، والكتاب فى أصله الأول أطروحة علمية تعالج موضوع العلاقة بين الهندسة المعمارية والتخطيط الحضرى فى مصر، إبان الفترة الانتقالية السياسية التى حددها بسنة 1936 وقبل وبعد يوليو من العام 1952 وحتى نهاية الحقبة الناصرية الفعلية فى سنة 1967.
وقد نوقشت هذه الأطروحة فى قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك، وحصل عنها مؤلفها على درجة الدكتوراه بعنوان:
(Revolutionary Modernism? Architecture and the Politics of Transition in Egypt, 1936ــ1967)

ــ 3 ــ
أمضيت مع الكتاب ساعاتٍ ممتعة فعلًا، لكننى ومدفوعًا بإعجاب فائض وحماس كبير للكتاب وصاحبه، وجدتنى أكتب هذه السطور تقديرًا وإعجابًا وامتنانًا لهذا المؤلف الذى لم أتشرف بمعرفته، ولكتابه المدهش الرائع بكل ما يحتويه من معلومات وفائض معرفة تجمع بين حقول ثقافية وعلمية متباينة، لكنه استطاع ببراعة أن يمزج بينها ويسيطر عليها ويقدمها بهذه السلاسة وهذا التمكن وهذه القدرة على حسن العرض وترتيب المادة (ولا أنسى توجيه الشكر للمترجم المتمكن أمير زكى الذى قدَّم ترجمة أقل ما توصف به أنها ممتازة فى جمال العبارة وسلاسة التركيب وبساطة الجملة دون أى التواء أو تعقيد مما نشهده فى كثير من الترجمات التى تُقذف على رءوسنا الآن بلا ضابط ولا رابط).
«الحداثة الثورية العمارة وسياسات التغيير فى مصر» هو ببساطة كتاب فى قراءة العمارة وفلسفتها باعتبارها نصا أو خطابًا تتمحور حوله، ومن خلاله، صراعات السياسة وخطابات الأنظمة السياسية المختلفة والمتعاقبة؛ موظفًا معارفه النظرية الواسعة التى حصلها أكاديميا من أعرق الجامعات فى مصر والعالم، ومن خبرته التطبيقية التى حصلها من الوظائف التى تقلدها ومارسها عبر سنوات (رغم حداثة سنه) ليقدم لنا ما يشبه القراءة الثقافية الممتازة العميقة لجانب من ثروة العمارة الهائلة فى مصر؛ باعتبارها فضاء أو مادة لإنشاء خطابات مثقلة بالأيديولوجيا، ومرتبطة بتحولات السياسة والاقتصاد والأنظمة المتعاقبة منذ العصر الملكى وحتى السنوات الأخيرة من الحقبة الناصرية.

ــ 4 ــ
يقول مترجم الكتاب عنه إنه «دراسة مهمة عن تاريخ العمارة فى فترة انتقالية فى مصر، فترة كانت تتشكل فيها مهنة العمارة، وقامت فيها ثورة يوليو. عن طبيعة الحوار بين المعماريين والسلطة فى ذلك الوقت، وما هى الخطابات التى وظفتها السلطة أو استخدمتها عن العمارة، كما يشرح الكتاب جانبًا مهما لم يكن مطروقًا من قبل بشكلٍ كاف عن تلك الفترة»، موضحًا أن ما قدمه الكتاب من معالجة، وما طرحه من رؤية حول موضوعه، ما زال يمارس تأثيره على حياتنا حتى وقتنا هذا. يوظف الكتاب الأرشيف الصحفى والبصرى وقاعدة بيانات المهندسين المعماريين أحسن ما يكون؛ وهنا تبرز أهمية المنهج وقدرة الباحث على التنقيب والتفتيش فيما قد يبدو عاديا أو مألوفا أو حتى غير ذى أهمية! بعين الباحث والمدقق تصبح هذه المادة (خبرا أو صورة أو تعليقا فى صحيفة أو إعلانا عن سلعة أو افتتاح منشأة.. إلخ) ذخيرة حية قابلة للقراءة والتحليل وصوغ سردية تتسق مع الإطار العام للدراسة والهدف منها.
يتوقف الشاهد أمام نماذج من أبرز المعماريين المصريين المعروفين فى هذه الفترة فيتوقف على سبيل المثال أمام اسم سيد كريم والمساحة الكبيرة التى شغلها معماريا وثقافيا واعتباره هو ذاته خطابا إنشائيا قابلا للتحليل والتفكيك والربط بسياق الفكرة الرئيسية التى سعت الدراسة إلى تتبعها وفحصها.
وبالتأكيد للحديث بقية عن هذا الكتاب المهم..