هرج ومرج - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 9:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هرج ومرج

نشر فى : الثلاثاء 18 يونيو 2013 - 1:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 يونيو 2013 - 1:15 م

عنوان الفيلم يعبر، بدقة، عن روحه، فهو يعنى «اختلاط وفتنة وتهويش واضطراب وقلق».. المخرجة، نادين خان، فى عملها الروائى الأول، تبدو، صاحبة أسلوب راسخ، واضح التميز، متماسك، تنظمه رؤية واضحة، تبدأ بجنازة، وتنتهى بجنازة، وبينهما، تتوالى الوقائع، فى دورة زمنية تستغرق أسبوعا، وتجرى فى مكان واحد..

 

لا تسند بطولة مطلقة لفرد أو فردين، فثمة كتلة بشرية، تعيش فى زمان صعب ومكان ضنين، بلا إنجاز حقيقى أو آمال كبيرة، فقط فى انتظار عبثى لعربة الماء، حيث تتزاحم النساء بأوعيتهن، للحصول على ما يسد ظمأ أسرهن. فى اليوم الثانى، تأتى عربة أنابيب البوتاجاز، يتصارع الجميع حولها. فى اليوم الثالث ما أن تهل عربة الخضار، حتى يتدافع الجميع نحوها.. هكذا، دورة خائبة، إثر دورة بائسة. إنهم هامشيون نسيهم تاريخ متوقف، وضاعوا فى مكان متداعى البيوت، تحيط به أكوام قمامة.

 

«هرج ومرج»، أقرب للعرضحال، لا يقدم قصة ذات بداية ووسط ونهاية، ويكاد يخلو من الأحداث الكبيرة أو المحورية. وبرغم خشونة المادة التى يقدمها، فإن الفيلم ينساب ناعما، هادئا، متأملا، فحركة كاميرا المصور الموهوب، عبدالسلام موسى، تتحاشى الحركة السريعة، العنيفة، ولا تنقض على هذا الوجه أو ذاك. تعتمد على اللقطات المتوسطة والبعيدة. وأحيانا، تظل الكاميرا فى مكان مرتفع، لترصد، برهافة، حركة المجاميع المتدافعة، من أجل ما يبقيها على قيد الحياة.. وتتعمد المونتيرة المتمكنة، دينا فاروق، استخدام المسح التدريجى فى الانتقال من مشهد لآخر، ولا أقول من لقطة للقطة، فالمخرجة، تتحاشى اللقطة القصيرة، وتهتم بالحركة البشرية المتدفقة، فى الساحة، وداخل شقق صغيرة، حيث الكادرات الضيقة، التى توحى بالحصار والاختناق.

 

ولا يفوت واضع المؤثرات الصوتية، سيد هاشم، استخدام صوت نعيق الغربان بين الحين والحين.

 

عن قصة لنادين خان، كتب محمد ناصر على السيناريو، متلمسا مسارات عدة شخصيات، منها الفتاة الفائرة الأنوثة منال ــ بأداء ذات الوجه المصرى الأصيل، أيتن عامر ــ التى تعطى ريقا حلوا، مراوغا، للشابين اللذين يتنازعان عليها يؤدى دوريهما الواعدان: محمد فراج ورمزى لينر.. «منال»، تعيش مع والدها، كبير المنطقة، الحاج سيد، بأداء المتمكن، صبرى عبدالمنعم.. وهو، صاحب بقالة نصف خاوية، له حكاية هامشية تقلقه أشد القلق، فلأنه أرمل يقيم علاقة مع امرأة غلبانة، زوجها المفلس يدمن المخدرات، تجد فى رقة الحاج، وعطاياه، ما يرطب حياتها.. ويفزع الحاج حين يفقد تليفونه المحمول، وبدورها، تحاول المرأة الانتحار. والسبب، كما سنعرفه لاحقا، أن الحاج، حلا له تصوير المرأة، بمحموله، على نحو فضائحى.. الفيلم، يجيد لعبة الإخفاء والإظهار.

 

قرب النهاية، تقام مباراة كرة قدم، بين فريقى «زكى» و«منير». الخاسر سيأتى بكمية كبيرة من اللحوم، توزع على نحو ما، فضلا على الزواج من «منال».. إنها «لحمة»، أكثر من كونها كائنا إنسانيا.

 

لكن مهلا، فالرواية التى تقدمها نادين خان فى لوحتها البانورامية لم تستطع أن تفتح أى نافذة للأمل تبدد شيئا من التعاسة الجاثمة على أناس تبدو تعاساتهم كما لو أنها قدر لا فكاك منه.. هنا، لا أحد يرنو إلى النور أو يساهم فى صنع مستقبل، إنهم، مجرد أفواه، يعيشون على نحو غرائزى، بلا وعى أو إرادة، وهذا ما يتنافى مع المنطق الإنسانى وجعل الفيلم يبدو كما لو أنه قدم لوحته بعيون نصف مغمضة، أو بعين واحدة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات