في ما جرى فى باريس (٢) ٠٠٠ محاولة للفهم تتجاوز الإدانة - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 1:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في ما جرى فى باريس (٢) ٠٠٠ محاولة للفهم تتجاوز الإدانة

نشر فى : الأحد 18 يناير 2015 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 18 يناير 2015 - 10:28 م

لا نحتاج إلى إعادة تأكيد على أن جريمة «القتل» لصحفيي شارلي إبدو مدانة بكل المقاييس. ولكن أن يقتصر الأمر على الإدانة، ثم يمضي كل منا «فى طريقه» فذلك هو الحمق بعينه. أحسب أن الحكمة تقتضى، وقد تداخلت الطرق، وغامت الرؤى، أن نعيد النظر فى «البوصلة» جيدا، قبل أن تعبث بها الأهواء والأغراض والحسابات الضيقة.

لم أكن أنتوي العودة إلى ما جرى فى باريس، بعد أن كتبت فى الموضوع الأسبوع الفائت، ملاحظا كيف لعبت السياسة بالمواقف، وكيف ارتدى كثيرون فجأة قناع «حرية التعبير» التى يصادرونها كل يوم فى بلدانهم، ولكن مشهد الرئيس الفرنسي الأربعاء الماضى يخطب «متوعدا» على حاملة الطائرات شارل ديجول المتجهة إلى بحر العرب ذكرني بمشهد جورج بوش الابن يخطب على المدمرة البحرية إبراهام لينكولن (مايو ٢٠٠٣) معلنا «نجاح الحرب الأمريكية على الإرهاب»، أو كما سماها Mission Accomplished. وقد بتنا نعرف جميعا أنه الأمر الذى لم يحدث. وأن الـMission لم تتم أبدا. إذ يكفي أن ننظر حولنا، وتحديدا فى العراق وأفغانستان اللتين كانتا الميدان الرئيس «للحرب المقدسة». بل وقد يكفينا أيضا أن نرجع إلى تقرير الكونجرس (لجنة مجلس الشيوخ) الأمريكي قبل أسابيع (٩ ديسمبر ٢٠١٤) والذى يخلص بوضوح، كما أشرت فيما كتبت يومها إلى حقيقة أن العصا الغليظة، مهما كانت قاسية وعنيفة ومتجاوزة، لن تفلح أبدا فى التعامل مع إرهاب يعشش فى عقل «انتحاري» يغذيه ليس فقط فكرٌ عقيمٌ لكتب موروثات قديمة، بل وإحساس واقعي بالظلم والقهر وعدم المساواة. كما أن الأساليب «القاسية» أو اللجوء لتعذيب الجناة أو المشتبه بهم (أو حتى هجمات الأباتشي أو الطائرات بدون طيار) لم تنجح فى «مكافحة الإرهاب»، كما لم تنجح فى جعل العالم أكثر أمنا.

كان تقرير الكونجرس مهما «واعترافا» بلا شك، وإن كنت أحسب أن «المنطق» لم يكن بحاجة لانتظاره لندرك أن أحدا لن يستطيع أبدا مهما بلغت أجهزته الاستخباراتية «ذكاءً»، وأدواته القمعية «غباءً» أن يمنع عنفًا «مقدسا» يغذيه إحساسٌ بالتهميش والإحباط، وغيابُ الإنصاف والعدالة. فيدفع انتحاريا لا نعرفه إلى تفجير نفسه هنا أو هناك.

كما أحسب أن المنطق المجرد لا يحتاج إلى أكثر من التخلص من مخاوفنا المرضية، وحساباتنا الشخصية، لندرك أن التوسع المفرط فى تعريف الإرهاب، أو بالأحرى فى وصم هذا أو ذاك بالإرهاب، لا يجعل أمامه واقعيا غير أن يكون إرهابيا حقيقيا. بمنطق يعرفه متخصصو علم النفس، ملخصه: «طالما أنك موصوم بها فى كل الحالات، فلتفعلها إذن».

•••

لا يحتاج الأمر إلى أكثر من النظر إلى الخريطة لندرك أن الاستبداد والتمييز والقمع وهيمنة ثقافات التلقين والاتباع والمجتمع الأبوي الذكورية، فضلا عن الإحساس بغياب العدل وعدم المساواة هى العوامل الرئيسية التى توفر البيئة المناسبة لأفكار متطرفة تبحث عن العدل فى السماء حين يعز عليها أن تجده على الأرض.

كما لا يحتاج الذى يضع الخريطة أمامه إلى أكثر من أن يلاحظ أن الدول صاحبة التاريخ الأطول فى الاستبداد وحكم الفرد المطلق، هى صاحبة الحظ الأوفر فى الدماء. (الأسد وإبنه فى سوريا ٤٣ عاما، والقذافي فى ليبيا ٤٠ عاما، وصدام رئيسا ونائبا للرئيس ٢٨ عاما).

أعرف أن البعض لا يحب أن يقرأ حقائق الخرائط، ولا يريد أن يعترف بمسئولية أنظمة حكم وثقافة فى دول وفرت التربة الملائمة للتطرف والاستبداد. وأعرف أن هناك من سيجد ضالته فى ظاهرة «المقاتلين الأجانب»، ليفهمنا أن قيم الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة «رجسٌ من عمل الشيطان»، وأنها لم تكن أبدا الحل. ناسيا أن يقرأ رحلة «تشى جيفارا» الأرجنتيني متمردا (من كوبا إلى الكونغو إلى بوليفيا)، فى رحلة البحث عن عالم «أكثر عدلا»، رافعا لواء «حرب العصابات» ضد الإمبريالية والرأسمالية الاحتكارية والاستعمار الجديد.

بغض النظر عن التفاصيل والمآلات، وهى كثيرة، ألم تكن حركة جيفارا «أممية / عولمية» مثلما كانت دعوة بن لادن؟ هل نسينا «عولمية» تنظيمات العنف المسلح «اليساري» فى النصف الثانى من القرن العشرين؛ بادر ماينهوف Baader-Meinhof الألمانية، والعمل المباشر Action directe الفرنسية والألوية الحمراء Brigate Rosse الإيطالية. هل تذكرون «كوزو أوكاموتو» الذى قاد مجموعة من الجيش الأحمر اليابانى فى هجوم على مطار اللد فى تل أبيب نصرة للحق الفلسطيني (٣٠ مايو ١٩٧٢) وهل تذكرون كيف فجر اثنان من رفاقه اليابانيين نفسيهما يومها؟!

لماذا لا تقرأون مذكرات الأسطورة كارلوس Ilich Ramírez Sánchez الفنزويلي الثري الذى يجيد سبع لغات والذى تمتد عملياته ضد الصهيونية والإمبريالية العالمية من ميونيخ إلى لاهاي ثم لندن فعنتيبي فى أوغندا الأفريقية.

بالمصادفة جرت عملية «شارلي إبدو» بعد ثلاثة أيام فقط من إعادة اعتقال الشرطة اليونانية لعضو جماعة «١٧ نوفمبر» اليسارية Christodoulos Xiros والمحكوم عليه بالسجن مدى الحياة لإدانته بالمسئولية عن عمليات اغتيال وهجمات بالقنابل نهايات القرن الماضي. كما بالمصادفة أيضا أن عملية الجريدة الفرنسية جاءت فى اليوم التالي لإعلان «جبهة التحرير الشعبي الثورية» التركية مسئوليتها عن التفجير الانتحاري الذى استهدف نقطة للشرطة قرب مكتب رئيس الوزراء فى اسطنبول. (الجبهة سحبت إعلانها بعد أن تبين أن الانتحارية ذات الثمانية عشر عاما فتاة روسية، ولم تكن هى التركية التى ذهبت إليها الشكوك فى البداية).