دموع الغالية مريم - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 6:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دموع الغالية مريم

نشر فى : الإثنين 16 نوفمبر 2015 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 نوفمبر 2015 - 8:40 ص

ديروط فى سنة 1980

كنت لتوى قد داعبت عامى الخامس، وأذهب إلى المدرسة كـ«مستمع»، كان لجدى لأمى صديق قبطى كنت أناديه بـ«عمى واكيم»، له ابنة اسمها مريم، كانت صديقة لخالتى الصغرى «سوسن»، كانتا تتبادلان الزيارت بانتظام، وكنت ملازما لخالتى سواء ذهبت إلى مريم أو جاءت الأخيرة إليها.

(1)

نشأت بينى ومريم صداقة كبيرة، كانت تحبنى لأبعد الحدود.. فإذا زارت دير السيدة العذراء بأسيوط، أو دير المحرق بالقوصية تأتى لى معها بـ«لعب» كثيرة.. وحلويات من تلك التى تباع فى الموالد، فصارت «خالتى مريم» واحدة من أهم الوجوه التى تعلقت بها فى حياتى الباكرة.. كنت ألح دوما عليها «خدينى معاك العدرا»، فكانت تروح فى ضحكة جنونية طويلة «بس انت مسلم يا عمرى»، ومن هنا بدأت أدرك أن هناك مسلمين ومسيحيين، ولكل منهما ممارسات وطقوس مختلفة.

فى العام التالى تغير الحال، وأصبحت رسميا تلميذا فى الصف الأول الابتدائى، لكننى ذهبت محملا بخبرات عام دراسى كامل لم أكن مقيدا فيه، وبعد أن استقر بنا المقام وامتنع الأطفال عن البكاء ومحاولة الهروب من المدرسة، اتفق بعض الأشقياء على ضرب زميلنا «صابر أديب» المسيحى الوحيد فى الفصل لا لشىء إلا«لأنه نصرانى».

جاءت الفسحة.. تكاثروا على صابر، مع أول «بونية» صرخ صرخة فيها قهر الدنيا بأسرها.. مازال صداها يوجع قلبى عليه إلى اليوم.. دون أن أشعر وجدتنى قد دخلت المعركة إلى جانبه.. كنت أشدهم بأسا.. ربما لأننى أقدم منهم فى المدرسة.. أو لقناعتى بأن صابر لم يسئ إليهم.

(2)

لم تستمر المعركة طويلا، هجم علينا المدرسون وقبضوا علينا جميعا.. ذهبوا بنا لحجرة الناظر الذى كان مجرد ذكر اسمه كفيلا بإصابتنا بالرعب.. الجميع اهتم بصابر الذى كان منهارا.. وبدأ «التلطيش» فى بقيتنا؛ استنجدت بصابر الذى أنصفنى بقوله «خالد كان بيحوش عنى»، ووغد من الأوغاد أشار إلى بقوله «ده كان مع النصرانى».

الناظر ترك صابر ومن اعتدوا عليه وبمنتهى الحنو وجدته يجلس القرفصاء حتى صار وجهه فى وجهى، وقال لى: «انت دافعت عن زميلك ده؟ قلت له: «أيوة».. ليه؟ قلت: «لأنه جريب خالتى مريم»... ومين خالتك مريم دى؟.. «بت عمى واكيم»، فاحتضننى ذلك الرجل القوى وراح يمسح على شعرى وعيننى من يومها رئيسا للفصل.. وصرت أقرأ كلمة الصباح فى الإذاعة، والفتى الذى يتوقع له الجميع مستقبلا باهرا.. فيما نال الأوغاد علقة ساخنة فى الطابور، وعندما وصلنا للسنة السادسة كان معظمهم قد هجر التعليم.

(3)

أنهينا «الابتدائية»، وذهبنا للمدرسة الإعدادية، كانت تضم ستة فصول للصف الدراسى الواحد، تعرفت على تلاميذ جدد من قريتنا والقرى المجاورة.. كان بهذه الفصول طلاب أقباط.. كنت أسارع للجلوس بجوارهم مرحبا؛ لأن الكثير من الطلاب لم يكونوا يرحبون بذلك.

فى بداية المرحلة الثانوية مطلع التسعينيات استدعانى أحد أمراء الجماعة الإسلامية فى قريتنا ــ ولم يكن بينى وبينهم عمار قط ــ لينهانى عن «موالاة النصارى»، والذهاب إلى السينما، وكيف أنى متفوق وخسارة فى عدم الالتزام الدينى وفق منظوره!!

(4)

القاهرة فى يوليو 2015

تداعت كل هذه المشاهد التى حكيتها توا عندما شاهدت الطالبة مريم ملاك ذكرى، الصعيدية صاحبة «صفر الثانوية العامة» وهى تبكى على إحدى القنوات بعد أن دافعت بشراسة عن حقها «كنت بذاكر 18 ساعة فى اليوم».. تعاطفى معها كان ــ ومازال ــ غير محدود، إيمانى بعدالة قضيتها لم يتزعزع، ورغم أن الأمر انتهى بتوجهها لإعادة السنة، إلا أننى وجدت ــ بعد أن تراجع الاهتمام الإعلامى بها ــ أنها بحاجة لمن يشد على أياديها: لا تحزنى يا صغيرتى.. امسحى دموعك؛ فالتحدى الصعيدى الجميل الذى رأيته فى عينيك يجعلنى أثق فى أنى سأنشر صورتك ضمن أوائل الثانوية العامة الصيف القادم.

kaboubakr@shorouknews.com

التعليقات