يا شيخ سيد.. فين المصري بتاع زمان؟! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يا شيخ سيد.. فين المصري بتاع زمان؟!

نشر فى : السبت 16 سبتمبر 2023 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 16 سبتمبر 2023 - 9:10 م
ــ 1 ــ
... وما زلنا مع قطوف ولمحات من عبق سيرة الشيخ سيد درويش (أبو الموسيقى المصرية الحديثة) ورائدها ومجددها وصاحب البصمة التى لا تمحى فى انتقالها من حال إلى حال ومن طور إلى أطوار. ارتبطت أعمال سيد درويش وروائعه كلها بالروح المصرية الخالصة وبطوابعها المحلية المعيشة، وأتصور أن سيد درويش يمثِّل فى الموسيقى ما كان يمثله نجيب محفوظ فى الرواية، وتوفيق الحكيم فى المسرح، وطه حسين فى الدراسة الأدبية والنقدية والفكر والثقافة عمومًا.
كان سيد درويش واعيا بإرثه الموسيقى، ومستوعبًا له، ومنطلقا منه لكل ما قدمه من تجديدات وإضافات فى الأغنية واللحن، ومتسقا مع الحالة العامة التى عاشها الشعب المصرى فى تلك المرحلة الزاهرة من تاريخه الوطنى، وكذلك فترة تدفق إبداعه التى شكلت ما عرف بالقوة الناعمة المصرية.
وطوال مرحلة الشباب، ومع سماع ما تبقى من ألحان وأغنيات وتراث سيد درويش بالجملة، أدركتُ أننى أمام موسيقار فذ، مؤسس ومجدد ومبتكر، ظهر فى مرحلة تاريخية فاصلة قلب فيها صفحة القرن التاسع عشر فى الموسيقى العربية المدنية، وسطّر بعض ما عنده فى أولى صفحات القرن العشرين، فى كتاب أكمل صفحاته وسوَّد نوتاته الإبداعية موسيقيون التقطوا الخيط منه، ومدُّوه على استقامته، فأبدعوا أعذب الألحان وأجمل الأغانى، وكان على رأس هؤلاء محمد عبدالوهاب، ومحمد القصبجى، وزكريا أحمد، ورياض السنباطى، ولعلِّى أضيف إلى هذه السلالة الذهبية أيضًا بليغ حمدى.
ــ 2 ــ
وعلى امتداد قرن كامل، لم تعرف الحياة الموسيقية المعاصرة ملحنًا ملأ الدنيا وشغل الناس مثل سيد درويش؛ فقد تخاطفت تراثه جميع أنواع التيارات الموسيقية والسياسية، معتبرة إياه زعيمها الروحى وزعيم المدرسة الموسيقية الملتزمة، والفن الملتزم، كالموسيقيين والمثقفين الذين ينتمون إلى اليسار السياسى، والفئة ذاتها المنتمية إلى الخط القومى، وبالرغم من هذا التجاذب، لم تعرف حياتنا الموسيقية شخصية موسيقية كتب عنها الموسيقيون والنقاد والسياسيون والمفكرون العرب أكثر من سيد درويش. وفى الوقت نفسه، لم تعرف حياتنا الموسيقية ملحنًا أذيعت أعماله وقدمت على المسارح أقل من سيد درويش، كما يرصد بدقة الموسيقار والمؤرخ الموسيقى الكبير سليم سحاب.
مثَّل سيد درويش نقطة فارقة فى تاريخ الموسيقى المصرية بخاصة، والموسيقى العربية بعامة، فقد انتقل سيد درويش بالموسيقى العربية من طور «التطريب» إلى ركب «التعبير»، بتعبير أستاذ الموسيقى محمد شبانة، بعد أن كان الغناء العربى غارقًا فى المحسنات البديعية، والتكرار الذى لا طائل من ورائه، ولا مبرر له سوى الرضوخ لإرادة المغنى ــ المطرب ــ والتكريس لحضوره، فهو سيد الحال والمقام.
ــ 3 ــ
مراحل عدة مرَّ بها سيد درويش وشكلت إبداعه الفنى؛ أولها مرحلة التكوين الفنى التى استوعبت السنوات الأولى من صباه، وثانيها المرحلة التقليدية وهى التى تلَت عودته من رحلته إلى الشام. وثالثها؛ المرحلة التى انتقل فيها إلى القاهرة قبل اندلاع ثورة 1919، وقدمه إلى جمهور القاهرة الشيخ سلامة حجازى. ولأهمية المرحلتين سالفتى الذكر (الشامية والقاهرية) فى إبداع سيد درويش ومسيرته الموسيقية؛ من المهم إلقاء مزيد من الضوء عليهما.
فى عام 1912 سافر سيد درويش إلى سوريا مرة ثانية، ومكث بها حوالى سنة كاملة، امتلأت خلالها جعبته بالكثير من الأغانى والموشحات والكتب الموسيقية، مثل كتاب: «تحفة الموعود فى تعليم العود» وغيره، بالإضافة إلى ما سمعه من الشيخ الموصلى، وموسيقيين آخرين.
ثم عاد سيد درويش إلى الإسكندرية فبدأت ينابيع فنه تتفجر وتتطور من «الدور» إلى «الطقطوقة» إلى «الأغنية الشعبية»؛ مثل: «يا فؤاد ليه بتعشق»، ثم «يا اللى قوامك يعجبنى»، و«زورونى كل سنة مرة»، و«يا ناس أنا مت فى حبى، وجم الملائكة يحاسبونى»، وموال «يا عين ليه تنظرى لأهل الجمال تانى».
وغير ذلك من الأغانى الشعبية التى كانت سببًا فى ذيوع صيته وانتشاره فى أوساط الطرب والمغنى بالإسكندرية فى ذلك الوقت.
ــ 4 ــ
أما نقطة التحول الكبرى فى حياة سيد درويش الفنية فكانت فى العام 1917 حين انتقل إلى القاهرة، وتعرف إلى أصحاب الفرق المسرحية المعروفة آنذاك، مثل: عمر وصفى، الذى لحن له سيد درويش مسرحية «الشيخ وبنات الكهربا»، ثم اتفق مع جورج أبيض على تلحين رواية: «فيروز شاه» التى لفتت الأنظار إلى فن سيد درويش وإبداعه، ثم اتفق مع نجيب الريحانى على تلحين رواياته، وأولها رواية: «ولو» التى نجحت نجاحًا باهرًا.
لكن سيد درويش كان على موعدٍ مع المجد والخلود فى كتاب النضال الوطنى المصرى والعربى، بعد أن صار هو صوت الثورة الشعبية الكبرى؛ صوت الأمة الصادح لثورة 1919 التى أنتجت ــ فيما أنتجت من آثار ــ الفترةَ الذهبية فى تاريخ مصر الثقافى والفنى والإبداعى وهى الفترة التى تمتد من 1923 وحتى 1952.
وهكذا، ما إن اندلعت الثورة الوطنية الكبرى فى تاريخ المصريين التى أشعلت طموح المصريين وتضحياتهم لمواجهة الاستعمار، وبعث تاريخهم القومى المجيد، وبناء دولتهم الحديثة، حتى مثلت هذه الأغراض التاريخية الطاقة التى ألهمت سيد درويش موضوعات أغانيه الحديثة، وأسهم سيد درويش بأناشيده الوطنية وألحانه الثورية الخالدة، فى إذكاء روح الثورة، فيغنى لزعيم الثورة المصرية سعد زغلول: «مصرنا وطنا/ سعدها أملنا/ كلنا جميعا للوطن ضحية«.
ويغنى للوطن ولأبناء الوطن: «قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك»، و«أنا المصرى كريم العنصرين»، وغيرها من الألحان الرائعة التى انتشرت كالنار فى الهشيم، وحفظها الشعب عن ظهر قلب، فاستحق أن يكون «موسيقار الشعب» كما أطلق عليه المصريون.
بنود مترابطة - 8