أىُ «وستڤاليا» و«هلسنكى» لحل صراعات المنطقة؟ - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أىُ «وستڤاليا» و«هلسنكى» لحل صراعات المنطقة؟

نشر فى : الخميس 16 يناير 2020 - 9:55 م | آخر تحديث : الخميس 16 يناير 2020 - 9:55 م
نشر موقع «إندبندنت عربية» مقالا للكاتب رفيق خورى تناول فيه الصراعات المحتدمة فى الشرق الأوسط وأثر التدخلات الإقليمية والدولية فى زيادة الاحتدام، كما ذكر بعض الحلول المقترحة من قِبَل أكاديميين وسياسيين فى أمريكا والدول الغربية لحل هذه الصراعات والتى يرى أنها لن تفلح بسبب تعقد المشهد فى الشرق الأوسط، ونعرض منه ما يلى.
لعبة الأمم على المسرح الليبى تحتدم إلى جانب المسرح السورى والمسرح العراقى. والقاسم المشترك بين هذه المسارح المفتوحة على المسرح الشرق أوسطى الواسع هو تداخل الصراعات المحلية والصراعات والمنافسات الإقليمية والدولية. أبسط ما يفعله التداخل هو إطالة عمر الصراعات الجديدة وحجب الاهتمام عن الصراعات القديمة الطويلة العمر كالصراع العربى ــ الإسرائيلى. وأخطر ما يقود إليه هو توليد صراعات كانت نائمة وإحياء أيديولوجيات متطرفة كانت مرفوضة شعبيا، ثم تعقيد الحلول والربط بينها، بحيث تصبح بالغة الصعوبة. ولا فرق سواء على مستوى كل مسرح أو على مستوى المسرح الواسع الشامل. فما بدأت الانتفاضات الشعبية ترفع شعار «خبز، حرية، كرامة» عام 2011، إلا بسبب عناد الأنظمة وذلك فيما عرف باسم ثورات «الربيع العربى». والتداخل الإقليمى والدولى قاد إلى تحويل الثورات حروبا دخلت عقدها الثانى فى العام الحالى. وليس وقف النار كالذى أعلنه الروس والأتراك فى ليبيا وإدلب السورية سوى تكتيك فى إدارة الحرب.
ذلك أن المطالب الشعبية التى رفعتها الانتفاضات هى آخر هموم القوى الإقليمية والدولية المتدخلة فى الصراعات الداخلية. فلا قوة خارجية جاءت إلى سوريا وليبيا والعراق من أجل «الديمقراطية» للشعوب. ولا الفشل الديمقراطى حجب ما خلقته الثورات من «نظام عربى جديد»، كما كتب مارك لينش أستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية فى جامعة جورج واشنطن وصاحب كتاب «الحروب العربية الجديدة.. انتفاضات وفوضى فى الشرق الأوسط». خلاصة النظام العربى الجديد، فى رأيه، هى «جمود القوى التقليدية» التى كانت تقود العالم العربى مثل مصر وسوريا والعراق، و«ازدهار دول الخليج الغنية»، وظهور «لاعبين جدد وإمكانات جديدة» فى أعقاب انتشار دول ضعيفة فاشلة.
لكن النظام العربى الجديد يواجه نظاما إقليميا قلقا ونظاما عالميا لم يكتمل بعد. أمريكا، مع الرئيس دونالد ترمب وقبله مع الرئيس باراك أوباما، حائرة بين التدخل والانسحاب من المنطقة لمواجهة اللعبة الكبرى مع روسيا والصين. روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين فرضت نفسها من خلال الدخول العسكرى فى حرب سوريا كقوة عالمية ووسيط إقليمى، وإن كانت تتوسع بأكثر من إمكاناتها. ولم يكن مشهدا مألوفا حتى فى ممارسة «غطرسة القوة» من جانب مسئولين أمريكيين وأوروبيين أن يأتى بوتين إلى دمشق، فيستقبل الرئيس بشار الأسد فى مقر القوات الروسية بدلا من أن يستقبله الرئيس السورى فى القصر الجمهورى، كما لو أن سوريا صارت «ولاية روسية». الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يتدخل عسكريا فى سوريا وليبيا، مستعيدا «الميثاق الملى» للعام 1920، ولاعبا ورقة السلطنة حين كانت ليبيا من أتباعها وورقة الجنرال مصطفى كمال أتاتورك الذى «قاتل وجُرح فى ليبيا» خلال الحرب العالمية الأولى. وأقل ما يريده هو حصة فى النفط والغاز ومقعد إلى طاولة اللاعبين فى شرق المتوسط. إيران تتصرف كأنها تحكم بالفعل العراق وسوريا ولبنان واليمن. بحيث يتحدث مسئول فى الحرس الثورى الإيرانى وخلفه أعلام حزب الله والحشد الشعبى وأنصار الله الحوثيين وميليشيات فاطميين وزينبيين. واللعبة فى ليبيا أشد تعقيدا بسبب الصراع على النفط، حيث تتنافس فرنسا وإيطاليا، وتدعم قطر حكومة فايز السراج، التى هى مظلة للإخوان المسلمين مقابل دول عربية تدعم المشير خليفة حفتر الذى تدعمه روسيا.
والسؤال هو: هل هناك أفق لحلول؟ واحد من الأجوبة جاء فى كتاب جديد تحت عنوان «نحو وستڤاليا للشرق الأوسط». مؤلفو الكتاب خبراء وأساتذة فى التاريخ: باتريك ميلتون وبرندان سايمز ومايكل إكسويرثى. ومواده كانت مدار بحث فى ورش عمل بين 100 خبير من أوروبا والشرق الأوسط بتمويل من كوربر فوندايشن وجامعة كامبريدج ووزارة الخارجية الألمانية. يستعيد الباحثون تاريخ أوروبا قبل العصرنة ويرون مثيله فى الشرق الأوسط الحالى، ويركزون على حرب الثلاثين سنة. عام 1618، حدث تمرد بروتستانتى على الإمبراطورية الرومانية الكاثوليكية المقدسة، ثم تدخلت فيه مع الوقت القوى الأساسية مثل الدنمارك وفرنسا وإسبانيا والسويد. ولم تنته الحرب إلا عام 1648 عبر «معاهدة وستڤاليا» التى أرست سلاما فى القارة ضمن مبدأ احترام «سيادة الدول». والأهم هو «الآلية الشرعية لحل الصراعات» التى جرى ابتكارها فى وستڤاليا، ويرى المؤلفون أنها «مسودة صالحة للشرق الأوسط» عبر «مقايضة كبرى» تجد تسويات لكل الصراعات فى المنطقة اليوم.
لكن الصراعات فى الشرق الأوسط أشد تعقيدا من تلك الصراعات الأوروبية وظروفها مختلفة. فهى خليط من سوء الأنظمة وسوء الصراعات الإقليمية والدولية على النفوذ. ومن الصعب صمود «نظام إقليمى جديد مقدس» بين أنظمة يزدرى حكامها حكم القانون فى بلدانهم. ولذلك تقترح سوزان ماهونى، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية فى مؤسسة بروكنغز، حلا آخر. ما هو؟ شىء يشبه «اتفاقات هلسنكى» الأوروبية عبر عملية تزاوج بين السياسة المحلية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وبين حوار أمنى إقليمى. وليس ذلك سهلا أيضا. فالمنطقة يتصارع عليها من يريد العودة إلى القرن التاسع عشر، ومن يريد أخذها إلى القرن العاشر، ومن يريد لها أن تكون عاملا قويا مزدهرا فى القرن الحادى والعشرين. ولا أحد يكتفى بالربح أو يعترف بالخسارة.

التعليقات