الزواج والطلاق فى مصر - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الزواج والطلاق فى مصر

نشر فى : الجمعة 14 يوليه 2023 - 9:10 م | آخر تحديث : الجمعة 14 يوليه 2023 - 9:10 م

من الواضح أن معدلات الطلاق فى مصر تتزايد بصورة ملحوظة فى الآونة الأخيرة، وكان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء قد وثق عددا من المؤشرات بيّنت ارتفاع حالات الطلاق بنسبة ١٤.٧% أخيرا خلال عام واحد، وهذه نسبة غير مسبوقة. ترى ما هى أسباب الطلاق وكيفية تفاديها؟!
نرى أن عدم التكيف والتأقلم مع الطرف الآخر هو المشكلة التى كثيرا ما تحدث بين الأزواج وذلك عندما يقرر أى من الطرفين أنه ليس لديه استعداد للتغيير من عاداته أو طباعه فى الطعام والشراب والملابس أو الصرف بشكل عام أو التعامل مع الآخرين... إلخ، وهذا ضد فكرة الزواج الأساسية التى تأتى بفردين من بيئتين مختلفتين وآراء واتجاهات خاصة وتطلب منهما الانسجام والتفاهم والتأقلم، ومن لا يكون لديه النية للتأقلم والتكيّف فمن المؤكد أن زواجه سيتعثر، حيث إن الصفات المشتركة بين الزوجين هى التى تقلل الفجوة بينهما.
إن التعاليم الدينية التى تقدمها الكتب المقدسة تقدس فكرة الزواج وتعامل كل طرف برحمة وحب مع الطرف الآخر لكن الازدواجية الدينية جعلت التدين شكليا بل ويعتمد أحيانا على المظاهر سواء للمسلمين أو المسيحيين ــ من الجنسين ــ دون انعكاس ذلك على السلوك الفعلى للفرد.
ولا شك أن الحوار مع الاحترام يشكّل جوهر العلاقة الزوجية الناجحة، ونجد ذلك فى وصية الحكيم آنى فى مصرنا القديمة لابنه «لا تصدر أوامر كثيرة إلى زوجتك فى منزلها، إذا كنت تعلم أنها امرأة ماهرة فى عملها، لا تسألها عن شىء أين موضعه، ولا تقل احضريه، إذا كانت قد وضعته فى مكانه المعتاد. لاحظ بعينيك واصمت حتى تدرك محاسنها، يا لها من سعادة عندما تضم يدك إلى يدها. تعلم كيف تدرئ أسباب الشقاق فى بيتك، ولا يوجد مبرر لخلق نزاعات فى المنزل، كل رجل قادر على أن يتجنب إثارة الخلاف فى بيته، وذلك إذا تحكم سريعا فى نزعات نفسه». كما أن عدم الحوار مع الطرف الآخر يسبب مشاكل لا حدود لها، وسوء العلاقات بين الآباء والأمهات وأولادهم وسوء علاقات الأقارب مع بعضهم البعض يصنع شرخا قد يؤدى إلى الطلاق.
• • •
إن مفهوم الزواج يعنى اتخاذ قرار مع الطرف الآخر، وتكريس الحياة لهذا الشخص بشكل مطلق وعدم إقحام أية علاقات أخرى تسىء للعلاقة الزوجية، وبالتالى فإن الإخلال بالوفاء والإخلاص قد يهدم أقوى علاقة زوجية وخاصة أنه قد يولد الغيرة بين الزوجين، وهى مقبولة فى حدود وإطار الارتباط الكامل، ولكنها تصبح ظاهرة سلبية إذا زادت عن حدها وهنا تبرز جرائم جديدة غير معتادة على المجتمع تزيد فيها نسبة العنف، مثل حالات القتل بين الأقارب سواء من أجل الميراث أو غيره، واختفاء صور زواج المحبة والمودة والسكينة، وزيادة حالات الزواج التى تعتمد على الطمع المادى أو الاجتماعى أو حتى لمجرد الإعجاب بين طرفين دون النظر للعوامل التى تضمن استمرار الزواج.
أحيانا يؤمن البعضُ بما يُسمى بالقسمة والنصيب، ويتركون الأمور تجرى وفق طبيعتها حتى فى الارتباط أو عدمه، وقد يعتمد آخرون على العادات والتقاليد فى اختيار الزوجة أو الزّوج؛ كأن يكون من أقارب العائلة، أو التمتّع بصفاتٍ شكليّةٍ جذابة. يُفضل البعض عدم الارتباط بامرأة لها عملها الخاص (عاملة)، وأحيانا لا تملك بعض الفتيات حق الاختيار؛ لا سيما فى بعض المجتمعات المُنغلقة على إبداء رأيها بالخاطب كما فى الصعيد أحيانا، إذ تُجبَر على الزّواج وفقا لرغبة الأب أو رجال العائلة وهذا خطأ فادح فلا يُمكن أن يتوافق مُحاضر بالجامعة مع امرأةٍ بالكاد اجتازت اختبار الثانوية العامّة، وفى هذه الحال يتم الحكم على المتقدم للزواج فى كثير من المواقف وفقا لقدرته المالية وتوفير متطلبات الزواج المادية من مسكن وسيارة وغيرهما دون النظر لطرق التفاهم بين الرجل والمرأة عندما يجمعهما بيت واحد، فى الواقع هنا يظهر الاختلاف فى الميول والمستوى التعليمى والاجتماعى وتزايد الأعباء المالية وعدم قدرة الزوج على سد احتياجات الأسرة، وتراكم الديون عليه وعجزه عن السداد مع تحكّم الأهل أحيانا فى حياة الزوجين، وتدخلهم بشكل كامل فى اختياراتهما وقراراتهما الحياتية، فالزواج السريع يؤدى لطلاق سريع ما لم يكن هناك استعداد كامل وتأهيل فى مرحلة ما قبل الزواج.
قد يجد الأزواج كثيرو الانشغال ــ بالعمل ــ أنفسهم مضغوطين بشكل عام، خاصة إذا لم يعتنوا بأنفسهم جيدا من حيث الحصول على النوم والتغذية الجيدين. نضيف إلى ذلك أنهم قد يجدون أنفسهم أقل ارتباطا لأن لديهم وقتا أقل لقضائه معا، كما أن مواقع التواصل الاجتماعى التى زادت الطين بلة وباتت تترصد الفضائح لنشرها وفاقمت من التفكك الأسرى فى معظم المجتمعات وأخيرا، إذا لم يكن الزوجان يعملان كفريق واحد لتغطية جميع المسئوليات فقد يجدان أنفسهما يختلفان حول من عليه الاهتمام بالمسئوليات المنزلية والاجتماعية... إلخ وهذه العوامل انعكست بالسلب على العلاقات بين الأزواج والزوجات وهكذا ازدادت حالات الطلاق.
• • •
من هنا تتأتى ضرورة إنقاذ المجتمع خلال الأعوام العشرة المقبلة كحد أقصى من هذا التغير الاجتماعى حتى لا يتجه للأسوأ وذلك من خلال ثورة ثقافية تمنع الانهيار الاجتماعى والأخلاقى، وتعيد الشخصية المصرية النهرية التى تعتمد قيم الحب والخير والسلام مرة أخرى.
إن ارتفاع نسبة الطلاق فى مصر يرجعه أساتذة علم الاجتماع إلى عدد من العوامل أهمها عدم التأنى فى اختيار شريك الحياة وهو ما يدفع الزوجين إلى إنهاء العلاقة خاصة فى السنة الأولى من الزواج والتى ترتفع فيها نسبة الطلاق لأكثر من ٦٥%، أما مواقع التواصل الاجتماعى فهى من بين الأسباب التى أدت إلى زيادة معدلات الطلاق فى مصر وعدد كبير من الدول، بل وسببت أزمات كبيرة بين الزوجين بسبب المقارنات المستمرة مع الآخرين، فالأم عليها دور كبير فى فترة الإعجاب والخطوبة أى ما قبل الزواج من حيث تغذية مفهوم الأسرة للطرفين، وأن ما يقبل عليه كل طرف سيكون سببا فى تكوين عائلة، وأنّ الخلافات الزوجية موجودة بين جميع الأزواج ولابد من التأنى فى القرارات، وترك مساحات للتفاهم لحل أية أزمات.
أما أسباب ارتفاع نسب الطلاق فهى تظهر فى صراع القوى الموجود فى العام الأول من الزواج، ورغبة التحكّم والسيطرة على جميع مجريات الأمور، دون استيعاب الطرف الثانى. فالعنف الأسرى، مع اقتناع عدد كبير من الموجودين فى القرى المصرية بأن العنف هو الحل لإحكام السيطرة على الزوجة، وهو ما يؤدى لحدوث فجوة بين الاثنين، وبالتبعية اللجوء إلى قرار إنهاء الحياة الزوجية والطلاق وغياب مفهوم «ضياع الأولاد» والإقبال على إنهاء الزواج دون تفكير فى مصيرهم وتشتتهم مع تدخل الأهل فى كثير من الأحيان يُزيد من حالة الاحتقان، ورغبة كل طرف فى مساندة نجله أو نجلته مهما كان مخطئا، كذلك اختلاف شخصية وحياة الشريكين قبل وبعد الزواج، بسبب زيادة المسئولية والأعباء المعيشية على كل طرف منهما، لذلك هناك ضرورة لتعلّم كيفية طرح المشكلات وعلاجها لعدم تفاقمها، والتنازل فى بعض الأحيان وخاصة فى المواقف التى لا تسبب أذى.
• • •
أقامت مصر خلال السنوات الأخيرة المشروع القومى للحفاظ على الأسرة المصرية «مودة» والذى تسعى من خلاله إلى تدعيم الشباب المُقبل على الزواج بالمعارف والخبرات اللازمة لتكوين الأسرة وتطوير آليات الدعم والإرشاد الأسرى، وفضّ المنازعات، بما يساهم فى خفض معدلات الطلاق.
ولكى نعيد التماسك للأسرة المصرية يجب أن نهتم بالتربية والتنشئة الاجتماعية لأن الأبناء يتأثرون بآبائهم أى يزيد تأثر الذكر بأبيه، فيما تتأثر الأنثى أكثر بالأم التى تعتبر أول مدربة للوعى الأنثوى فى حياتها.
إن التنشئة الاجتماعية السليمة تفترض ألا تكون المرأة مجرد خادمة، وإنما تتفاهم مع زوجها وتساهم فى حل المشكلات التى تواجههما وتكون هناك حرية لرأى الزوجة ولا تكون مستعبدة، ولا بد من إجراء دراسة جدوى للحياة الزوجية فى جميع جوانبها مع عقد دورات لتأهيل طرفى الأسرة فيما قبل الزواج، وتوضع كشرط أساسى من الجهات المسئولة لإتمام الزواج.

أستاذ مقارنة الأديان

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات