الخروج من الفوضى الفكرية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخروج من الفوضى الفكرية

نشر فى : الأربعاء 13 ديسمبر 2023 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 13 ديسمبر 2023 - 8:00 م
التغيرات المتلاحقة، والمتضادة أحيانا، فى المشهد السياسى العالمى، ومن ثم المشهد السياسى العربى، تجعل من الصعب الوصول إلى استنتاجات تحليلية فكرية مستقرة وموثوق فى واقعيتها. فإذا أضيف إلى ذلك انتشار الضعف الالتزامى الخلقى عند كثر من المتابعين لتلك التغيرات وتراجع الثقة فى الكثير من مصادر المتابعة التاريخية السابقة، من مثل بعض محطات الراديو أو التلفزيون الشهيرة بانتهاج الموضوعية المتوازنة، حتى ولو كانت نسبية، تتبين عظم المأساة التى تعيشها مصادر نقل وتحليل ونشر الخبر فى هذا العالم الذى وصل إلى مشارف الجنون.
يفسر البعض كل ذلك بأن الفلسفة البرجماتية السياسية الشهيرة تقتضى ذلك. لكنهم ينسون أن ازدياد ضعف الضمير والموضوعية والقيم فى أية ممارسة برجماتية يقلبها إلى ممارسة فاشستية قبيحة مبتذلة.
وهذا ما هو حاصل الآن فى أمريكا. فقد بدأت المحاكمات المكارثية المريضة تنتشر فى كل مكان وأصبحت المشانق الإدارية تنصب حتى طالت رؤساء الجامعات الشهيرة من الذين تجرأوا على إبداء أى تعاطف مع أو تفهم لمآسى الشعب الفلسطينى المحتلة أرضه والمهانة كرامته والمحارب فى معيشته والمهدد بإعادة تشريده إلى فيافى الأرض أو تجرأوا وانتقدوا الهجمة الحيوانية الهمجية الصهيونية على أرض غزة وسكانها قتلا وتدميرا لم يعرف العالم مثله. بل لقد أصبح الخطاب الفاشستى جزءا من الخطاب السياسى الأمريكى ونسيت أمريكا كل ما تجمع لديها سابقا من فكر برجماتى معقول.
أما فى الوطن العربى، صاحب القضية وحامل مآسيها، فإن الانقلاب أخذ صورة أخرى: تجرع الذل، وتنكيس الرءوس، والاكتفاء ببضع جمل باهتة مثيرة للشفقة، وخذلان الأخ والأخت والولد فى فلسطين المنكوبة، وأحيانا وصل الأمر عند البعض لمنع حتى انتقاد العدو الصهيونى بالكلام خوفا من بطشه وبطش من وراءه.
فى هذه الأجواء الحزينة المأسوية أصبح تكوين الاستنتاجات المعقولة مستحيلا بعد أن تغير من كانوا يلبسون جلود الأسود فى بلاد العرب إلى لبس جلود الخراف المذعورة، وبعد أن أصبحت اليد الطولى لمن كانوا لا يجرؤن على المساس بهذه الأمة فى خمسينيات القرن الماضى دون أن يواجهوا بنضال وصمود الملايين من شعوب العرب لدحر تدخلاتهم.
ما يجب أن تعيه شابات وشباب الأمة أنهم فى هذه اللحظة يحتاجون إلى عدد هائل من القيم ليفعلوها حتى يستجمعوا ما تمزق فى نفوسهم ويعاودوا النضال من جديد. أولى هذه القيم هو عدم تراجع المشاعر الوطنية والقومية والإسلامية فى نفوسهم تجاه محاربة أعداء الأمة التاريخيين والجدد، وعدم تراجع الإرادة السياسية عندهم والإصرار على عدم السماح لأية قوة انتهازية داخلية بهجر الالتزامات العروبية. لكن ذلك يتطلب بإلحاح شديد أن يكونوا قادرين على أن لا ينجرفوا فى بحر الإعلام المزيف الذى يحيط بهم ولا فى بحر المؤامرات، باسم الطائفة أو القبيلة أو القطر أو الجهة.
نحن فى فترة قلق شديد، وضباب سياسى مكثف، ومناظر متناقضة لا تنتهى. ولذلك فإن شباب الأمة لن يخرجوا من تلاطم الأمواج ويعودوا إلى النضال المنظم التراكمى إلا إذا تسلحوا بثقافة سياسية متينة عميقة تحميهم من كل ذلك.
فى الماضى كانت هناك مؤسسات رسمية ومدنية شعبية تقوم بذلك. الآن يحتاج الشباب والشابات أن يعتمدوا كثيرا على أنفسهم. وهذه ملحمة جديدة تضاف إلى قدرهم لمواجهة عصرهم.
علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات