أنطونيو جوتيريش الذى يرتبط اسمه بالحب - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 8:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنطونيو جوتيريش الذى يرتبط اسمه بالحب

نشر فى : الأربعاء 13 ديسمبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 13 ديسمبر 2023 - 7:55 م
نشر موقع درج مقالا للكاتبة بادية فحص، تناولت فيه محاولات أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، انتزاع قرار لحماية المدنيين فى غزة، مما جعله يخوض معركة غير متكافئة ضد إسرائيل متفوقة فيها حتى الآن بدعم أمريكى... نعرض من المقال ما يلى:
يكاد يكون الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو جوتيريش، الوحيد بين الأمناء العامين فى تاريخ المنظمة الدولية، الذى تجرأ على تحدّى إسرائيل وفضح انتهاكاتها، بلا مواربة ولا مجاملة.
وقد شكّلت تصريحاته، منذ الأيام الأولى للعدوان على غزّة، صدمة للغرور الإسرائيلى، فحين قال إن «هجوم حماس لم يأتِ من فراغ»، وإن «الشعب الفلسطينى يتعرّض لاحتلال خانق منذ أكثر من 56 عاما»، بدا وكأنه يبرّر هجوم السابع من أكتوبر، ويعتبره نتيجة وليس فعلا، أما حين رفض أن يكون «هناك طرف فى صراع مسلّح فوق القانون الإنسانىس، فبدا وكأنه ينتقد العنف الدموى الذى تمارسه إسرائيل ضد سكان غزة، دفاعا عن النفس؛ الحق الذى وهبه الغرب لإسرائيل حصرا، مما دفع بالدبلوماسية الإسرئيلية إلى المطالبة بإقالته واعتباره غير مؤهل لقيادة الأمم المتحدة.
بالتوازى مع الحرب الطاحنة فى غزّة، يخوض جوتيريش منذ السابع من أكتوبر، معركة الضمير الإنسانى ضد العنجهية الإسرائيلية، معركة أخرى غير متكافئة، تتفوّق فيها إسرائيل، وتدور رحاها فى قاعة الأمم المتّحدة، وجها لوجه، بينه وبين السفير الإسرائيلى جلعاد إردان، إردان من موقع القوّة والسيطرة على كلّ منصّات العالم الحديث ومنابره، وجوتيريش من موقعه الإنسانى الشخصى المجرّد، ذلك أن صفته الرسمية تفقد ثقلها الدبلوماسى ومرجعيتها الأخلاقية، حين يناكف موظف أعزل مثله، كيانا يحتكر الحق مثل إسرائيل.
لم يترك جوتيريش على مدى أكثر من شهرين جهدا إنسانيا إلا وبذله، من أجل وقف المجزرة المستمرة فى غزة، ويحاول وحده من بين كل قادة مؤسسات المجتمع الدولى، أن ينتزع قرارا بحماية المدنيين، علاوة على مطلبه المتكرّر بوقف إطلاق النار، الأمر الذى تعدّه إسرائيل عملا عدائيا ضدّها، لذلك تشنّ عليه حربا شعواء، تبدأ من اعتباره «خطرا على السلم العالمى»، ولا تنتهى بنعته بـ«الانحراف».
وفى سياق أكثر وضوحا وعنادا، يتّهم جوتيريش إسرائيل بـ«انتهاك القانون الدولى» ويسمّى حربها على غزّة بـ«الكابوس المرعب»، ولا يتعب من المطالبة بـ«وقف فورى لإطلاق النار»، أو «وقف إطلاق نار إنسانى»، برغم معرفته أن كلمته غير مسموعة عند الطرف المعنى.
الأربعاء الماضى، قرّر جوتيريش استخدام الصلاحيات المعطاة للأمين العام فى الحروب، لوقف إطلاق النار ووضع حد لقتل المدنيين، بحسب ميثاق الأمم المتّحدة، فأعلن تفعيل المادّة 99، التى تخوّله «تنبيه مجلس الأمن إلى أى مسألة يرى أنها تهدّد السلم والأمن الدوليين»، اجتمعت الدول الأعضاء، وسقط مشروع القرار بضربة الفيتو الأمريكى القاضية.
فى قرارة نفسه، يدرك جوتيريش أن خطوته لن تكتمل، لأن المادّة 99 تملك سلطة تحذيرية وليس إلزامية، لكن، يبدو أنه أراد أن ينبّه إسرائيل وصديقاتها الغربيات، إلى أن الحروب المقبلة سوف تبدأ من حيث انتهت حرب غزّة، ما يبشّر بزمن غير مسبوق من الوحشية، وربما أراد أن يُنهى رئاسته للمنظمة الأممية بموقف لا ينساه التاريخ، فقلّة قليلة من أسلافه، وربما لا أحد منهم، جاهر باعتراضه على سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين، أو الوقوف بوجه الدول المتحكّمة بقرارات المنظّمة.
فى التاريخ الحديث شواهد كثيرة، على المآسى الإنسانية، التى قام بها الجزء الغنى من العالم فى جزئه الآخر الفقير، وكان القلق أقصى مواقف الأمناء العامين، حتى باتت المنظّمة الدولية، بكل ما تمثّله، موضع تندّر وسخرية، وتحوّلت إلى ما يشبه جمعية خيرية، لا تملك صلاحيات أبعد من توزيع الإعاشات والمساعدات على المحتاجين والمتضرّرين من الحروب، أما فلسطين فكان نصيبها على مدى 75 عاما، الكثير من القلق وبطاقات الإعاشة والمدارس المطلية بالأزرق والمخيّمات تحت راية الصليب الأحمر.
لهذا، أثار إعلان جوتيريش غضب إسرائيل، فاعتبر وزير خارجيتها إيلى كوهين أن «فترة ولاية جوتيريش خطر على السلم العالمى»، وقال إن الأمم المتّحدة بـ«حاجة إلى أمين عام يدعم الحرب على الإرهاب، وليس أمينا عاما يتصرّف وفق النص الذى كتبته حماس»، ورأى أن تفعيل المادّة 99 والدعوة إلى وقف إطلاق النار «دعم لمنظّمة حماس الإرهابية»، أما جوتيريش فردّ بهدوئه المعهود: «حتى بعد الفيتو لن أستسلم».
ثلاث نقاط ينطلق منها جوتيريش وتشكّل دائرة تحرّكه وضغطه: دور الأمم المتّحدة وشخصيته والقضية التى يدافع عنها، ثابت واحد ومتحولان.
منذ أيّام، دخلت الحرب على غزّة شهرها الثالث، ومعها مواقف جوتيريش، فلم يتزحزح مقدار شعرة واحدة عن تعاطفه الإنسانى، برغم الضغوط التى يتعرّض لها والاتّهامات التى تلاحقه، ذلك أن تعاطفه لا يصدر من كونه أمينا عاما للأمم المتّحدة، بل من خلفيته الاشتراكية، ولذلك لا يكتفى بالتعبير عن القلق، أقصى ما كان يفعله سلفه، بل يُحارب بقلب شجاع، فتُقلق مواقفه الدول المطمئنة إلى حتمية انتصارها وسيطرتها على الرأى العام.
ولولا اسمه المرتبط بالقائد العسكرى الرومانى، الذى أتى إلى الشرق غازيا وعاد منه ظافرا بحبّ كليوباترا، ولولا وجهه ذو الملامح الغجرية؛ المجموعة العرقية التى كانت أحد ضحايا النازية فى «أوشيفتز»، فالبشرة السمراء والخدّان المتهدّلان والعينان المحاطتان بالانتفاخات والشفتان اللتان ترقصان أثناء الكلام، لا ينقصها إلا كوفية، لتتّهمه إسرائيل بانتحال شخصية ياسر عرفات.

النص الأصلى

التعليقات