الخليج الصيني.. بين مصافحتين! - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 6:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخليج الصيني.. بين مصافحتين!

نشر فى : الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 - 8:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 - 8:20 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب بتاريخ 11 ديسمبر يشير فيه إلى أن المقارنة بين زيارة الرئيس الصينى إلى السعودية وزيارة الرئيس الأمريكى فى يوليو الماضى ترمز إلى تغير جيوسياسى كبير فى الشرق الأوسط، وإخلال بتوازن القوى الذى ساد لعقود فى المنطقة، مضيفا أن العلاقات الصينية السعودية بلغت مرحلة إعلان «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» فى وقت تدهور العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة... نعرض من المقال ما يلى.
رمزية المصافحة الحارة بين الرئيس الصينى شى جين بينج وولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان فى الرياض، مقابل المصافحة الباردة بقبضة اليد بين الرئيس الأمريكى جو بايدن وبن سلمان فى يوليو الماضى بجدة، رسمت خطا بين مرحلتين، وبعثت برسالة مزدوجة صينية وسعودية لا لبس فيها إلى واشنطن، عن تحولات كبرى تجرى فى المنطقة. من الآن فصاعدا لم تعد المواجهة الأمريكية ــ الصينية، التى يسميها بايدن «منافسة» من قبيل تخفيف وقعها، مقتصرة على المحيطين الهادئ والهندى، وهى المواجهة التى تحشد فيها الولايات المتحدة كل مقدراتها لمنع بكين من الهيمنة عليها، اقتصاديا وسياسيا. مواجهةٌ اتسع مداها الآن إلى الخليج، المنطقة المحسوبة تاريخيا على أمريكا. هذه المنطقة لا تقل فى الحسابات الاستراتيجية الأمريكية أهمية عن أوروبا أو أمريكا اللاتينية، على الرغم من خفض الولايات المتحدة اعتمادها على النفط الخليجى إلى أقل من عشرة فى المائة.
ما كاد شى جين بينج تطأ قدماه السعودية يوم الخميس الماضى، حتى أطلقت الولايات المتحدة أكثر من موقف ينم عن الاستياء، مما يعنى أنها لم تنسحب من المنطقة، وإنما خفّفت الاهتمام بها فى أفضل الحالات. سارع البيت الأبيض إلى التحذير من مخاطر أمنية محتملة نتيجة اندفاع الدول الخليجية إلى إبرام اتفاقات مع شركة «هواوى» الصينية. وهذا منسق الاتصالات الاستراتيجية فى مجلس الأمن القومى الأمريكى جون كيربى يعلق وعلامات الانزعاج بادية عليه «إننا مدركون لمحاولة تعزيز النفوذ الصينى فى أنحاء العالم.. الكثير من الأمور التى يسعون إليها (الصينيون)، وطريقة سعيهم إليها، لا تتلاءم مع الحفاظ على النظام الدولى الذى تحكمه قواعد محددة«. وفى اليوم التالى، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على مسئولين صينيين كبيرين بتهمة انتهاك حقوق الإنسان فى التيبت.
ما لا بد من التذكير به أن العلاقات الصينية ــ السعودية ليست بالأمر الجديد، لكنها لم تبلغ مرحلة إعلان «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» إلا فى وقت بلغت فيه العلاقات الأمريكية ــ السعودية أدنى مستوياتها فى عقود.
لم تُزِح الصين أمريكا عن مركز الشريك التجارى الأول للسعودية فحسب. بل أن ثمة الكثير من القواسم المشتركة التى تجمع بكين والرياض ومعظم عواصم الخليج حيال التحولات والأزمات الدولية الكبرى.
الخليجيون عاتبون منذ سنوات على الولايات المتحدة وأسبابهم عديدة، بينها حرب اليمن ومحاولات إحياء الاتفاق النووى مع إيران وتخفيف وجودهم العسكرى فى المنطقة تحت شعار حشد المقدرات فى جنوب شرق آسيا لاحتواء النفوذ الصينى.
أثبتت الأشهر الأخيرة أن بايدن أخفق فى مسعاه بإقناع الرياض بزيادة إنتاج النفط، فعادت العلاقات الأمريكية – السعودية إلى نقطة التوتر. بعد الاتجاه السعودى شرقا، كيف يمكن أن يكون الرد الأمريكى؟ هنا تجدر الإشارة إلى الإجراء الذى اتفقت عليه مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى والاتحاد الأوروبى وأستراليا لتحديد سقف لأسعار النفط الروسى عند 60 دولارا للبرميل الواحد على النفط المحمول على متن الناقلات، وذلك بهدف حرمان روسيا من العوائد التى تمكنها من مواصلة حربها ضد أوكرانيا. والسؤال بعد هذه الفقرة، ماذا يمنع أميركا إذا نجحت تجربة تسقيف سعر النفط الروسى، من أن تُعمّم هذه التجربة على تحالف «أوبيك+» فى مرحلة لاحقة وذلك عن طريق «كارتل المشترين» الذى ستكون له الكلمة العليا فى تحديد الأسعار؟ أخذا فى الاعتبار هذا الاحتمال، يأتى تعميق العلاقات السعودية والخليجية مع الصين، فضلا عن إثارة تكهنات بشأن احتمال اعتماد اليوان فى المبادلات التجارية الصينية ــ السعودية، على الرغم من أن وزير الطاقة السعودى الأمير عبدالعزيز بن سلمان استبعد هذا الاحتمال.
ومع ذلك، فإن واشنطن التى لا ترى منافسا لها فى العالم يُهدّد النظام العالمى القائم، سوى الصين وفق استراتيجية الأمن القومى الأمريكى، تنظر بعين القلق إلى «الانقلاب» الجارى فى السياسات الخليجية التقليدية.
اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، يُعزّز مبادرة «الحزام والطريق» الصينية لزرع النفوذ فى أنحاء العالم. وهذا الاتفاق يضاف إلى الاتفاق الاستراتيجى الذى وقعته الصين مع إيران قبل سنوات. وحتى قبل وصول شى جين بينج إلى الرياض، وقّعت بكين مع الدوحة، اتفاقا لاستيراد الغاز القطرى لمدة 27 عاما. هاجس الأميركيين الآن ماذا بعد هذا التوسع الاقتصادى للصين فى الشرق الأوسط؟
هل يستتبع ذلك دور سياسى متعاظم يخلخل التوازن فى النظام الإقليمى السائد ويفرض بكين لاعبا محوريا موازيا للولايات المتحدة التى استأثرت بالمنطقة منذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود من الزمن؟
إنه عالم ما بعد الحرب الروسية ــ الأوكرانية. والصين تسارع إلى حجز مكان لها فى النظام العالمى الذى سيولد بعد هذه الحرب التى ستنتهى عاجلا أم آجلا. والصين تضيف اليوم ركيزة مهمة فى مسيرة المواجهة المتصاعدة مع أمريكا من تايوان إلى الخليج.

التعليقات