الأديان والتقنية الحديثة - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأديان والتقنية الحديثة

نشر فى : الجمعة 13 مايو 2022 - 8:05 م | آخر تحديث : الجمعة 13 مايو 2022 - 8:05 م

بعد الحرب العالمية الثانية تجدد الحديث والتمسك بمصطلح المواطنة، حيث إن الديمقراطية هى توأم المواطنة وحاضنتها الأولى، بل والمرتبطة بها ارتباطا عضويا لا ينفصم بحيث لا يمكن أن تتجسد إحداها فى غياب الأخرى. ومن الملاحظ أنه فى المجتمعات التى تغيب عنها الديمقراطية، ممارسة وثقافة، تضعف فيها سلطة القانون، حيث لا يملك الأفراد والجماعات فرصا متساوية فى العمل أو نوعية التعليم أو التوظيف... إلخ، لكن رغم ذلك إلا أنها تعكس قدرة الناس جميعا باختلاف مستوياتهم الأكاديمية والتربوية، بل واختلاف أعمارهم، ومستوياتهم التعليمية والاجتماعية على استخدام التطور الحادث والمعاصر المطرد والسريع سواء فى الأجهزة أو البرامج التى فى مقدور الإنسان العادى استخدامها دون حاجة إلى مختصين، أو إلى خبرات تقنية وعلمية معقدة.
هنا نأتى إلى مصطلح «عبقرية البداهة»؛ تلك العبقرية القائمة على تطوير الأجهزة والبرامج، وتبسيط عملها فى الوقت نفسه، لتكون أكثر ذكاء وأقل تعقيدا، وهكذا تبنى محصلة لمعرفة الإنسان بنفسه واكتشاف ذاته ومواهبة، ثم تحويل هذه المعرفة إلى ثقافة مطبقة عمليا فى جميع ومختلف العلوم والمصانع والدراسات المطلوبة لتحديث والارتقاء بالإنسان والمجتمع. فإذا حدث تداخلات فى العلوم والاختصاصات الحالية، نشأ عنه أهمية وضرورة إدخال إضافات إلى تلك الأجهزة المدهشة، مثل مكتبة علمية تُقدم العلوم المعقدة وذلك بتبسيطها فى لغة بسيطة عادية مفهومة يمكن استيعابها من المثقف العام العادى ورجل الشارع البعيد عن مجالات هذه الاختصاصات. فعلى الرغم من أن هذه التقنية وجهت هذه العلوم إلى العلماء والمختصين ليكون فى مقدورهم الاطلاع الكافى على العلوم والاختصاصات الأخرى، إلا أنه بتبسيطها وتقديمها لرجل الشارع أنشأت بطبيعة الحال ثقافة علمية هائلة ومتقدمة فى محتواها، لكنها ــ حقيقة ــ فى هيئة تبدو مبسطة تُمكن المستخدم من استيعابها بكفاءة.
هذه البداهة، صارت تُغير فى خريطة العلوم والاختصاصات. وفى تقديمها وانتشارها بدأت تتحول إلى ثقافة عامة متداولة بنفس قدر، أو قريبة من، تداول الحواسيب والموبايلات... إلخ. لكن الأكثر أهمية وخطورة هنا هو فيما يحدث (أو سوف يحدث) عندما تُقدم المنظومات المعرفية والدينية والثقافية والعلمية فى تطبيقات «بديهية»، تُمكن المستخدم من استيعابها وتطبيقها بالقدرة نفسها على استخدام الأيفون والأيباد. فمثلا ماذا يحدث للعالم عندما يُقدم الدين بـ «بداهة» علمية وتقنية تجعل فهمه واستخدامه وتطبيقه متاحا لكل أتباعه والباحثين فى شأنه؟! هنا لابد وأن نأتى لما يُسمى «تقنية المعنى»؛ فتقنية المعنى تُنشئ معنى خاصا بها بطبيعة الحال، ولن يكون هذا المعنى بالضرورة هو المعنى الذى كان قائما قبل استخدام التقنية. من هنا سوف تكون المنظومة الدينية مفتوحة لسؤال المعنى والجدوى والبقاء والبحث من رجال الدين وأعلامه ومؤسساته إلى محتواه وتطبيقه، ومن ثم علاقة الأفراد والسلطة والجماعات والمجتمعات بالدين، ويبدو بديهيا هنا أنه يتحول أو يعود شأنا فرديا خالصا لا علاقة له بالسلطة والمجتمعات والجماعات، ذلك أنها وببساطة علاقة تاريخية وليست ضرورية ولا بنيوية نشأت من الحاجة إلى فهم الدين. فقد كان هؤلاء الكهنة والمفتون (القادرون علميا وفقهيا على تقديم الفتاوى) بجانب العلماء والأئمة والدعاة والواعظين والخلفاء والحكام والقادة الاجتماعيين والسياسيين يكتسبون مواقعهم وأهميتهم ومواردهم وسلطانهم من حاجة الفرد إلى الدين أو عجزه عن تحقيق حاجته هذه.
• • •
إن هذه المعرفة وحاجة الفرد إليها جاءت بكل هذه المتوالية العملاقة الصلبة المتماسكة، ولم تكن سوى ما يشبه تشكل الصخور القوية الراسخة من الفضلات والبقايا الآدمية! مما أدى إلى ظاهرة الاستغناء الفردى عن المؤسسات، وهذا التوجه لم يكن أو يكون مقتصرا فقط على علوم الدين. فتقنيات المعنى والمحتوى تُغير فى الحكومات والمدارس والجامعات وفى الحاجة إلى مهن وأعمال كثيرة وجديدة أو حديثة فى الإدارة والتعليم والرعاية الصحية والصيانة. فالإنسان القادر على أن يعمل لنفسه وبنفسه والمتجه إلى ذلك يعيد تشكيل المعابد والكنائس والمساجد والوزارات والمؤسسات والوظائف الدينية والمجتمعية. لكنه وبالتأكيد فى فرديته هذه سوف ينتج معنى وفهما وتطبيقا جديدا للدين مستمدا من معرفته وحاجاته الذاتية وما يتوقعه، ويؤكد أيضا أن الحديث عن مكافحة الإرهاب والتطرف سيتحول إلى معرفة تاريخية تثير العجب والصدمة مثل آكلى لحوم البشر.
غالبا فإن المُصممين والمُعدين للبرمجيات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية أو غيرهما سيكون معظمهم من غير المسلمين والمسيحيين... إلخ، وفى ذلك فإن حريتهم النقدية ستجعل المستخدم يُعيد بداهة محاولة تمييز المقدس وغير المقدس والإنسانى والدينى... إلخ، وهكذا سوف ينشئ أيضا فقها ولاهوتا وتأويلا (تفسيرا) جديدا ومختلفا للمقدس مستمدا من معرفته الجديدة والمختلفة والمتعددة، وهكذا لن يعد صعبا تقدير هذا الفهم للدين فى نسخته الناشئة عن الحوسبة والأسنة.
• • •
لقد أنفق العالم فى محاربة الجماعات المتطرفة، مثل القاعدة وطالبان ومشتقاتهم، أكثر من ٢٠ تريليون مليون دولار، ولعله لا يحتاج إلى أكثر من عشر ذلك لا ليقضى على الإرهاب فحسب، بل ليجعل من الناس فى هذا الجزء من العالم شركاء يتقبلونهم ويقبلهم.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات