البورصاوية - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 2:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البورصاوية

نشر فى : الأربعاء 12 أكتوبر 2011 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 12 أكتوبر 2011 - 9:05 ص

انضممت إلى الفلاحين الجهلة فى مسرحية «مركب بلا صياد» التى كتبها الإسبانى أليخاندرو كاسونا. الفلاحون، حاولوا معرفة سر الثراء الفاحش عند الرجل الغريب الذى وصل، تائها، إلى قريتهم.. قال لهم إنه تاجر قمح. وعندما سألوه عن حجم مخازنه التى لابد أن تكون بالغة الضخامة، أدهشهم بإجابته التى أكدت أنه لا يملك أى مخازن، ذلك أنه يعمل فى بورصة الغلال، يشترى شحنة القمح وهى على مراكبها، ويبيعها وهى لا تزال فى عرض البحر، ومن الممكن أن يشتريها ويبيعها مرة أخرى، من دون أن يراها.

 

ضرب بعض الفلاحين كفا بكف، وانصرفوا إلى حقولهم وهم فى حالة عدم تصديق للتاجر الذى لم يلق نظرة على بضاعته التى يجنى من ورائها الكثير.

 

«البورصة»، بالنسبة لقطاع من جيلى ــ وأنا منهم ــ تمثل لغزا قاتما، أمامه علامات تعجب واستفهام.. فى بداية الخمسينيات، حين كنا أطفالا، سمعنا عن الذين ضاعت آمالهم وأفلسوا وانتحروا، بعد انهيار ثمن القطن، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. وغالبا، ينتهى الرواة بما يشبه التحذير من التعامل مع تلك «المؤسسة»، الأقرب لكازينوهات القمار، ويهيمن عليها عتاة اللعيبة الدهاة، الأعمق والأوسع خبرة فى التهام الأخضر واليابس وبلع الأسماك الصغيرة، النزقة، التى تزج بنفسها فى بحار الحيتان.

 

بعد سنوات من ثورة يوليو، ألغى عبدالناصر البورصة المصرية، فى القاهرة والإسكندرية، ودشن القرار بمقالات مؤيدة، تتحدث عن إنشاء أول بورصة مصرية، فى الثغر السكندرى، عام 1883، ولم يكن قد مضى أكثر من عام على الاحتلال البريطانى، وهيمن عليها الأجانب، وخربت بيوت المصريين.. اقتصرت علاقتنا بالبورصة، فيما نشاهده فى ذيل نشرات الأخبار، عما يجرى من ارتفاعات وانهيارات، فى بورصات طوكيو ونيويورك، حيث الأرقام تتغير بسرعة، داخل عشرات المربعات على شاشات كبيرة، وزحام شديد من شباب يرتدى القمصان البيضاء، نصف كم، يرفعون أحد أصابع الكف، ثم أصبع آخر، وأحيانا يحرك أحدهم عقلة صباع وأحيانا عقلتين.. هكذا، بلا صوت. ثم يظهر، على الشاشة الصغيرة، أحد الجهابذة البورصاوية، ليشرح ما حدث، من دون أن أفهم منه شيئا.

 

مع سنوات الانفتاح الكاذب، وتوابعه الفاجعة، أعيد افتتاح البورصة، واندلعت شائعات تزعم أن السهم الفلانى، ارتفع ثمنه من عشرة جنيهات إلى أربعين.. وسبحانه، موزع الأرزاق ــ وأن السهم العلانى، بعد أن كان ثمنه أربعين جنيها، تجاوز المائة الآن. واندفعت الأسماك الصغيرة، إلى بحار التماسيح المفترسة.. وفى مشهد ينتمى إلى «التراجيكوميديا»، حيث تمتزج المأساة بالمسخرة، تجمع عدة آلاف من أهالينا، أمام مقر بورصة القاهرة، عقب انهيار أسهمهم، وهم يهتفون «دى مش بورصة.. دول حرامية».. وظلوا على هذه الحال، أياما متوالية، إلى أن جاء الأمن المركزى ليفرقهم بالتى هى أسوأ.. العصا.

 

ثورة يناير، كنست أشياء، وفضحت أشياء وكشفت مناطق الوهن فى اقتصادنا المنهوب، ولعل من مظاهره ما يحدث فى البورصة من أمور غامضة، ففجأة يقال إنها خسرت، فى يوم واحد، ثلاثة مليارات جنيه، فمن، وأين، تلك الحيتان التى التهمتها.. نسمع كلاما غامضا، لكن رائحة النصب والتدليس هى الأوضح.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات