السعودية تجدد نشاطها السياسي في لبنان - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 8:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السعودية تجدد نشاطها السياسي في لبنان

نشر فى : الخميس 12 مايو 2022 - 12:45 ص | آخر تحديث : الخميس 12 مايو 2022 - 12:45 ص

نشرت مدونة الديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا بتاريخ 9 مايو للكاتب مايكل يونج تناول فيه تغير سياسات المملكة العربية السعودية تجاه الأزمة اللبنانية.. نعرض منه ما يلى.

يشهد لبنان تطوّرات مثيرة للاهتمام، فيما البلاد على موعد مع استحقاقَين انتخابيَّين هذا العام. وتحدث هذه التطورات فى ظل تقارير متواترة بأن الجولة الخامسة من المحادثات السعودية ــ الإيرانية التى استضافتها بغداد فى أواخر أبريل كانت «إيجابية»، وأن الوفدَين قد ينقلان مباحثاتهما قريبًا من مستوى المسئولين الأمنيين إلى المستوى الدبلوماسى. ويعنى ذلك أن أى تغييرات قد يشهدها لبنان خلال الأشهر المقبلة ستكون نتيجة الديناميكيات الإقليمية بالدرجة الأولى.

يبدو أن الموقف السعودى تجاه لبنان شهد تحوّلًا كبيرًا منذ عودة السفراء الخليجيين إلى بيروت مؤخرًا. ففى 11 أبريل، دعا السفير السعودى وليد البخارى شخصيات سياسية لبنانية بارزة إلى مأدبة إفطار رمضانية، ومن ضمنهم رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتى، ورئيسَى الوزراء السابقَين فؤاد السنيورة وتمام سلام، والرئيسَين السابقَين أمين الجميّل وميشال سليمان. وقد حضر المأدبة أيضًا عددٌ من المبعوثين الأجانب، من بينهم السفير الأمريكى والسفير الفرنسى، اللذان بذلا جهودًا فى السابق كى تعود المملكة إلى الانخراط مجدّدًا فى الشئون اللبنانية.

ثمة رسالتان تضمّنهما الإفطار، وبشكل أعم وصول البخارى إلى لبنان. وتُعتبر الرسالة الأولى عامة للغاية والثانية أكثر خصوصية. لقد أظهر البخارى بشكل علنى أن السعوديين عادوا إلى البلاد وما زالوا يمارسون تأثيرًا سياسيًا كبيرًا فى أوساط اللبنانيين. وتزامن ذلك مع توقيع البروتوكول الفرنسي السعودى الرامى إلى تقديم مساعدات إنسانية إلى لبنان تتراوح قيمتها بين 30 مليون دولار و70 مليون دولار. ولا بدّ أن حزب الله تلقّى هذه الرسالة بقلق بالغ. فبعد انتخاب ميشال عون رئيسًا فى العام 2016، استخدم الحزب الانكفاء السعودى عن لبنان ليملأ الفراغ القائم ويصبح القطب المهيمن الذى يوجّه كيفية تعاطى الدولة مع المنطقة والشئون الإقليمية.

أما الرسالة الثانية فكانت موجّهة إلى الطائفة السنيّة على وجه الخصوص. فمن خلال دعوة جميع رؤساء الوزراء السنّة السابقين إلى مأدبة إفطار فى 11 أبريل، بعد يوم من إقامة مأدبة إفطار أخرى على شرف مفتى الجمهورية عبداللطيف دريان، أشار البخارى إلى أن علاقات المملكة مع الطائفة السنيّة لا تزال قوية، بل أقوى ممّا كانت عليه عندما قدّم رئيس الوزراء السابق سعد الحريرى نفسه باعتباره المحاور اللبنانى الأساسى مع الرياض. وأظهر استقبال البخارى فى وقت لاحق للنائب فؤاد مخزومى المعارض للحريرى أن النهج السعودى تجاه الطائفة السنيّة بات أشمل من ذى قبل، إذ يبدو أن المملكة تريد نسج علاقات مع جميع السنّة، بغضّ النظر عن انتماءاتهم، ما يعنى أن الحلفاء السنّة لسوريا وحزب الله قد يجدون يد الرياض ممدودة إذا أرادوا ذلك.

ومن شأن ذلك أن يعيد المملكة إلى السنوات التى سبقت تولّى رفيق الحريرى منصب رئاسة الحكومة فى العام 1992، عندما لم يوجّه السعوديون دفة علاقاتهم اللبنانية من خلال سياسى لبنانى واحد أو تفاهم مع سوريا. وبعد اغتيال الحريرى فى العام 2005، وقع اختيار السعودية على نجله سعد ليصبح ممثّلًا رئيسًا لها فى لبنان. لكن علاقته المثيرة للجدل مع ولى العهد محمد بن سلمان أدّت إلى تحوّل جذرى فى التفكير السعودى، إذ بات وجود الحريرى يشكّل فعليًا عقبة أمام أى التزام سعودى. ويبدو أن انسحاب الحريرى من الحياة السياسية فى يناير الماضى شكّل حلًّا لهذه المشكلة، وأعاد تنشيط النهج السعودى الأشمل تجاه لبنان.

• • •

إذا كان الأمر كذلك، فهو موضع ترحيب، لأنه قد يعنى أن السعوديين، ومعهم دول الخليج الأخرى وكذلك مصر والأردن، بدأوا يدركون أنه لم يعد ينبغى التخلّى عن لبنان باعتباره بؤرة نفوذ إيرانية. فمن خلال عزل لبنان بسبب علاقاته مع إيران، منحت هذه الدول طهران فرصةً لتعزيز سلطتها الوحيدة فى البلاد. كذلك، أدرك الأميركيون والفرنسيون أن التخلّى عن لبنان فى زمن الانهيار الاقتصادى قد يؤدى تحديدًا إلى مثل هذه النتيجة.

للمفارقة، شكّلت الأزمة فى لبنان هامشًا ضروريًا لإرخاء قبضة حزب الله وإيران على البلاد، إذ أفسحت المجال أمام تدخّل جهات خارجية عدّة. فبعد انفجار مرفأ بيروت فى أغسطس 2020، تدخّلت فرنسا بقوة فى محاولة لإيجاد حلّ للشلل السياسى فى البلاد. فى غضون ذلك ووسط تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية وعدم استعداد الطبقة السياسية لاتّخاذ أى خطوة من شأنها تخفيف حدّة هذه الأوضاع، باتت ضرورة التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى أكثر إلحاحًا، بغض النظر عمّا قاله حزب الله. إضافةً إلى ذلك، سارعت الولايات المتحدة وفرنسا والدول العربية والمنظمات المالية الدولية لمساعدة لبنان فى معالجة هذه الكارثة، كى لا تتمكّن الأولويات الجيوسياسية لإيران وحزب الله من وقف هذا الزخم.

• • •

من السابق لأوانه الحديث عن النتائج التى قد تترتّب على المشهد السياسى. وما زال من غير الواضح مدى استعداد السعوديين لتمويل اللوائح الانتخابية الخاصة بخصوم حزب الله فى الانتخابات المرتقبة فى 15 مايو، حتى لو افترض كثيرون أن القوات اللبنانية ستستفيد من السخاء السعودى. مع ذلك، ستشكّل السعودية على أقل تقدير قوة جامعة للسنّة الذين يريدون دعمًا إقليميًا من دول الخليج. ولن يتمثّل الهدف السعودى فى الضرب على وتر الانقسام القديم بين قوى 8 و14 مارس، بل فى حشد مجموعة من المرشحين حول فكرة الحفاظ على علاقات قوية للبنان مع العالم العربى ذى الغالبية السنيّة، ومنع حزب الله من تقويضها.

قد يلمّ هذا المسعى شمل قوى سياسية مختلفة ضمن تجمّع واسع، بمن فيهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والزعيم الدرزى وليد جنبلاط، وجميع رؤساء الوزراء السنّة السابقين، وأعضاء كتلة تيار المستقبل، وربما شخصيات سياسية مثل فيصل كرامى وحسن مراد وأسامة سعد وفؤاد مخزومى ووئام وهاب وغيرهم. لا يعنى ذلك أن هذه المجموعة الفضفاضة للغاية ستشكّل تحالفًا، لكنّها قد تتّفق فى ما بينها للتصدّى إلى جهود حزب الله الرامية إلى عزل لبنان عن محيطه العربى. وقد يرغم ذلك حزب الله على القبول بأن الدول العربية ــ ومن ضمنها سوريا، التى تعدّ حليفًا لحزب الله ــ يجب أن يكون لها رأى حيال ما يحدث فى لبنان.

وقد يتبلور اصطفاف القوى هذا على شكل غالبية فى البرلمان المُقبل. لذا، فى الكثير من القضايا ذات الأهمية الإقليمية، قد لا يكون من المنطقى تقسيم البرلمان بين مرشحين مؤيّدين لحزب الله وآخرين مناهضين له. ومن المنطقى أن تتبنى شخصيات سنيّة تربطها علاقات جيدة مع حزب الله مواقف مختلفة عنه فى بعض القضايا الإقليمية، وأن تعارض القرارات التى قد تنفّر الدول العربية أو تضر بمصالحها. علاوةً على ذلك، قد تنجح هذه القوى السياسية فى إيجاد أرضية مشتركة لضمان أن يحظى رؤساء الوزراء فى المستقبل برضى الدول العربية، وأن تضم الحكومات عددًا كافيًا من الوزراء المقرّبين من الدول العربية، ما يسمح ببناء قواعد مؤيدة لها فى مؤسسات الدولة.

• • •

لا يزال من غير المعروف كيف يمكن أن يتجسّد ذلك فى الانتخابات الرئاسية. لكن إذا طبّقنا المنطق نفسه، قد يحاول الحلفاء المحليون للدول العربية بناء إجماع حول مرشحين معيّنين ورفض أولئك الذين يرفضهم داعموهم العرب. وسيكون ذلك سيئًّا بالنسبة إلى جبران باسيل، الممقوت على نطاق واسع فى العواصم العربية بسبب تنفيذه أجندة حزب الله. ومن شأن هذا الرفض أن يضع حدًّا للاحتكار الذى يعتبر حزب الله أنه يتمتع به بحكم الأمر الواقع، والمتمثّل فى شطب المرشحين الذين يعارضهم. وفى حال بدأت الدول العربية وحلفاؤها المحليون بفعل الأمر نفسه أيضًا، قد تصبح قضايا كثيرة فى لبنان موضع تفاوض دائم.

تنطوى هذه «التعددية الإقليمية» الفعّالة فى السياسة اللبنانية على حسنات وسيئات. فمن جهة، يمكن أن يؤدى الحدّ من النفوذ الإيرانى وإرغام حزب الله على مراعاة مصالح الرعاة الإقليميين لنظرائه السياسيين السنّة بشكل أساسى إلى إرساء نظام أكثر توازنًا. ويبدو أن الدول العربية تقرّ بأن إيران لا يمكن طردها من لبنان، لكن من غير الممكن أيضًا فصل لبنان عن محيطه العربى، نظرًا إلى أن غالبية واضحة من سكانه تعارض هذا التوجه. أما الجانب السلبى فهو أن المنافسات الإقليمية قد تشلّ المشهد السياسى المحلى. لكن، متى كان الوضع مختلفًا عن ذلك فى لبنان؟ وإذا ساهم هذا الوضع فى التوصّل إلى ترتيبات مؤقتة، فقد ينعم لبنان باستقرار أكبر مما شهده منذ فترة.

النص الأصلي

 

التعليقات