عوالم مصغرة - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 2:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوالم مصغرة

نشر فى : السبت 12 فبراير 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : السبت 12 فبراير 2022 - 8:30 م

 

نعيش فى عالم كبير يسمى مجتمعا، إلا أننا نختبر فى حياتنا اليومية عوالم أخرى صغيرة تعكس ما يدور فى مستويات أعلى وتعد مرآة له، قد ينطبق ذلك على بطولة رياضية أو مكان عمل أو نقابة أو جماعة أصدقاء أو الأسرة والأقارب. تركيبة العلاقات وتعقيداتها والتراتبية داخل هذه المجموعات والوضع العام، كلها عوامل تجعل الأفراد يتصرفون بشكل معين، فنشعر نحن بتكرار النماذج والأنماط نفسها بدرجات متفاوتة. المدير أو الوالد، كل رئيس ومرات ديكتاتور على طريقته، وملعب كرة القدم يشى غالبا بالكثير حول التنافس بين الدول، أما جاليرى يعرض الفنون التشكيلية فقد يبين مدى التشابك بين المجالات المختلفة من اقتصاد لسياسة لرياضة، بل نكتشف أحيانا أن محبى اقتناء اللوحات هم ذاتهم الذين يمتلكون أو يمولون الأندية الرياضية، وهكذا نمر بدوائر وحلقات مختلفة قد تبدو منفصلة إلا أنها ترتبط ببعضها البعض.
• • •
المجال الرياضى الذى شغل الناس مؤخرا وملأ أبطاله الدنيا هو إحدى هذه الساحات التى يتجلى فيها حجم الصراعات الكائن، وهو ما عبر عنه بوضوح، فى مؤتمر نيوشاتيل لعام 1975، الدبلوماسى الإسبانى، خوان أنطونيو سامارانش، أحد أهم من ترأس اللجنة الأوليمبية الدولية، والذى ظل فى منصبه لمدة 21 سنة: «المسابقات الدولية، خاصة الألعاب الأوليمبية، هى من دون شك عالم مصغر، يعكس الواقع وطبيعة العلاقات الدولية». وفى حقبة السبعينيات أيضا كثر الحديث عن «دبلوماسية البنج بونج»، فى إشارة لمباراة فى هذه اللعبة دارت بين فريقى الصين والولايات المتحدة الأمريكية، رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وقال عنها نيكسون إنها نجحت فى إزالة سوء الفهم بين الطرفين أى حيث فشلت السياسة، لكن مع أن نشأة الألعاب الأوليمبية عام 1896 كانت بغرض التقريب بين الشعوب والدول، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى مناسبة لإعادة إنتاج التنافس وتصفية الحسابات بين الخصوم الكلاسيكيين.
ومنذ سنوات قليلة شهدنا صعود ظاهرة الألتراس التى جاءت تعبيرا عن سياقات سياسية معقدة وديناميات اجتماعية وتوترات كامنة، وانغمسنا وقتها فى تحليل وفك شفرات هذه المجموعات التى رجت صيحاتها المدرجات. حاولنا الاجتهاد، لكننا لم نتعمق فى دراسة نماذج هذه العوالم المصغرة التى تحمل بداخلها صراعات من جهة، وتتصارع فيما بينها من جهة أخرى، وفى أحيان كثيرة ترتبط تلك الصراعات بالرغبة فى الدخول إلى العالم الكبير الذى يمنح، من المفترض، قوة ومكانة وهيبة وصلاحيات. تكبر طموحات الفاعلين فى العوالم الصغيرة ويحلمون بالخروج إلى دوائر أوسع، فتكون شكلانية الأداء وميله نحو المهرجانية وهدر الطاقة والجهد والوصولية والتملق وغيرها من المظاهر المزعجة التى نراها حولنا يوميا.
• • •
نجد أنفسنا فى عوالم مصغرة تشبه مفهوم الكون فى الصين القديمة، حيث الإمبراطور هو ابن السماء، وقصره هو مركز العالم، وحياته مرتبطة بتعاقب الشمس والقمر وتغير الفصول، كل شيء يدور فى فلكه وكل مبنى فى مملكته شُيد ليماثل القصر الكبير وليكون فى خدمته. لا غرابة إذا أن تكون هناك أوجه شبه بين مكان شغلك والنظام العالمى الجديد أو أن يذكرك زميلك فى العمل بسلوك أحد رجال السياسة.. هى عوالم تبدو كجزر منعزلة، تلقى الضوء على حياة أفراد أو مجموعات، لكن إذا ربطنا بينها تصبح الصورة أوضح، كل حكاية تحيلنا إلى حكاية أكبر وأقدم، وإلى مستوى مختلف من الفهم.

التعليقات