العنف الأسرى - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 4:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العنف الأسرى

نشر فى : الجمعة 11 أغسطس 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 11 أغسطس 2023 - 8:35 م
لا شك ــ عزيزى القارئ ــ أنك لاحظت أن ظاهرة العنف الأسرى قد تضاعفت فى الآونة الأخيرة فى بلادنا، ويمكننا أن نعرّف العنف على أنه سلوك عدوانى يمارسه الفرد أو الجماعة أو طبقة اجتماعية معينة لاستغلال وإخضاع الطرف الآخر، وسلب حرية الآخرين سواء فى التعبير أو التفكير أو إبداء الرأى.

كما يُعرّف هذا النوع من العنف فى علم الاجتماع على أنه لغة الشدة والقسوة، واستخدام القوة من أحد الأطراف بطريقة غير قانونية، أو التهديد باستخدامها للإضرار أو إحداث الأذى بالآخر، وينتج عن ذلك تفكيك العلاقات الأسرية، فيقال عَنّفَ الرجل زوجته أو ابنه أو كبار السن سواء من خلال الإيذاء النفسى أو البدنى أو الأخلاقى.. إلخ، أى لم يرفق بهم، ولم يعاملهم بهدوء بل عاملهم بشدة أو لامهم وعيّرهم.

أما مصطلح العنف الأسرى فيقصد به إلحاق الأذى بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث يشمل هذا الأذى الاعتداء الجسدى، أو النفسى، أو الجنسى، أو التهديد والإهمال، أو سلب الحقوق من أصحابها وعادة ما يكون المُعنِّف هو الطرف الأقوى الذى يمارس العنف ضد المُعنّّف ضده والذى يمثل الطرف الأضعف.

وهناك تعريف آخر للعنف الأسرى وهو سلوك يهدف إلى إثارة الخوف للطرف المستهدف، أو التسبب بالأذى له سواء كان هذا العنف جسديًا أو نفسيًا أو جنسيًا دون التفريق بين الجنس أو العمر، وتوليد شعور الإهانة فى نفس المُهان أو إيقاعه تحت أثر التهديد، أو الضرر العاطفى أو الإكراه الجنسى، ومحاولة السيطرة على الطرف الأضعف باستخدام وسائل غير شرعية وأحيانًا قذرة للتحكم به، وعادة ما يفقد ضحايا هذا النوع من العنف ثقتهم بأنفسهم وينتابهم ــ للأسف ــ شعور بعدم القدرة على الفعل ورد الفعل وقد يصلوا إلى درجة الاكتئاب وتتطلب هذه الحالات التدخل الطبى النفسى والعصبى لعلاج مثل هذه الآثار.

• • •

تتمثل دوافع هذا النوع من العنف فى العادات والتقاليد التى يرثها الأبناء من الآباء والأجداد، ومنها حق الزوج فى السيطرة على حياة زوجته، وأما المجتمع فغالبًا يُعطى الرجل القدر العالى جدًا من الهيبة والظن بأنه بمقدار رجولته يستطيع أن يسيطر على أسرته بالعنف أو القوة، وتقل هذه الدوافع مع زيادة التعليم والثقافة والوعى فى المجتمع، فهناك رجال قليلون لا يؤمنون بمثل هكذا تقاليد، لكن الضغط الاجتماعى من خلال أصدقائهم وعائلاتهم عادة ما يدفعهم دفعًا لتعنيف الآخرين، كما أن هناك تغيرات اجتماعية رئيسية كحمل الزوجة أو مرض أحد أفراد الأسرة والتى تدفع رب الأسرة لتعنيف عائلته بهدف التحكم فى الموقف وإلقاء اللوم عليهم.

تختلف أشكال الدوافع المؤدية إلى العنف الاجتماعى باختلاف مستوى التعلم أو التدين، أو مستوى تأثر الأسرة بمحيطها الخارجى، واختلاف التقاليد والأعراف، فتصبح درجة العنف إما كبيرة أو صغيرة والتى تؤدى إلى عدم استقرار الحياة الزوجية وتعدد الزوجات والنزاعات بين أفراد الأسرة الواحدة.

كما يدفع الوضع الاقتصادى المتدهور فى حياة الأسرة نتيجة خسارة الزوج للوظيفة، أو الديون المتراكمة، أو اللجوء للرهن إلى ممارسة رب الأسرة للعنف ضد أفراد أسرته وذلك نتيجة شعوره بالخيبة والفشل وهكذا ترتفع مستويات التوتر والعصبية داخل الأسرة الواحدة مما يؤدى إلى المشكلات الاقتصادية كنتيجة لعدم قدرة تلك الأسرة على توفير احتياجات المعيشة اليومية، وأحيانًا عدم الاتفاق على كيفية إدارة دخل الزوجة وإضافته إلى ميزانية الأسرة والذى يؤدى إلى النزاعات التى تعرض الأسرة لخسارة مالية غير متوقعة لسبب أو آخر.

هناك أيضًا دوافع تأتى من داخل الإنسان لممارسة هذا النوع من العنف وتتلخص فى صعوبة التحكم فى الغضب، وعدم احترام النفس، والشعور بالنقص واضطرابات الشخصية وتعاطى الكحول أو المخدرات وتقّسم هذه الدوافع إلى نوعين:

النوع الأول: هو دوافع ظهرت لأسباب أو عوامل خارجية عاشها الفرد منذ طفولته وقد تكون لازمته أثناء نموه، كالإهمال أو سوء المعاملة، فيلجأ إلى تعنيف أسرته، كما قد تظهر بسبب مشاهدة الطفل فى سن مبكرة للعنف العائلى، مما جعله يظن مع مرور الوقت أن العنف هو أضمن وسيلة لضبط الأمور العائلية.

النوع الثانى: هو دوافع ظهرت كعوامل وراثية داخل الإنسان أو فى تكوينه أو بسبب أفعال قذرة صدرت عن الآباء وأثرت فى سلوك الطفل.
يعتبر العنف العائلى ظاهرة منتشرة فى معظم المجتمعات بمختلف طبقاتها بغض النظر عن المستوى الاقتصادى أو الجنسى، أو العمرى، لذلك تشمل طبقة ضحايا العنف جميع المٌعَنفيّن من الرجال، والنساء، والأطفال، وكبار السن، بينما الفئة الأكثر تعرضًا للعنف الأسرى هى فئة النساء، وعادة ما يكون سلوكًا متعمدًا أو معتادًا، لكن يتم ممارسته عن دون قصد فى بعض الأحيان، ويكون ناتجًا فى الأغلب عن عجز الأفراد على التأقلم مع ذويهم.

• • •

ومن الأنواع المعروفة للعنف الأسرى هو العنف الجسدى والذى يتسبب بالضرر أو إحداث إصابة جسدية للطرف الأضعف أو المُعنّف، فالعنف الجسدى يتحقق بشرطين أولهما أن يفعل الفرد أو يمتنع عن فعل أمر معين ينتج عنه أذى بدنى للضحية، أما الشرط الثانى أن يكون هذا الفعل عن سبق إصرار فى إحداث الأذى البدنى، ولا يشترط أن يحدث الشرطان معًا، فقد تفصل بينهما فترة زمنية كحالة إهمال الآباء أو الأمهات متابعة الأبناء، مما يلحق ضرر جسدى بهم.

هذا الضرر الناتج عن العنف الجسدى قد تصل نتائجه إلى تعطيل الحواس ويصل فى بعض الأحيان إلى القتل، وتختلف الأدوات المستخدمة فيه فمنها البسيط كالصفع أو الدفع أو الركل، ومنها ما هو الشديد كاستخدام الآلات الحادة والأسلحة.

أما العنف النفسى فهو أكثر أنواع العنف انتشارًا إلا أنه صعب التمييز أو معرفة مدى تأثيره، وذلك لعدم وجود آثار مادية ملموسة على الضحية ومن الصعب إثباته إذا لجأت الضحية للشكوى لدى السلطات، ومن أشكاله التعرض لألفاظ مؤذية تقلل من شأن الضحية، كالسب والشتم والقذف، أو جعل أحد أفراد الأسرة يشعر بأنه شخص غير مرغوب فيه ومتجاهل من الكل، بل والانتقاص من دوره بعدم الأخذ برأيه فى أمور تخص الأسرة والذى هو فرد فيها.

أما صور العنف النفسى فتظهر فى منع الزوجة من زيارة أهلها، أو التهديد بالضرب، أو منعها من الخروج لممارسة عمل، أو الطلاق، أو الحرمان من أطفالها.. إلخ.

أما عدم تعاون الأفراد فى الأسرة الواحدة فى إيجاد حلول مناسبة لمشاكلهم وعدم اهتمام الوالدين بالتربية السليمة قد يأتى ذلك نتيجة فقدان مشاعر الحب والعطف بين أفراد الأسرة الواحدة ويساهم فى تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية غير سليمة.

يعتبر العنف الأسرى سببًا فى وقوع آثار اجتماعية أسرية سلبية كثيرة، ومن هذه الآثار التفكك الأسرى وذلك بسبب الشدة والعنف التى ينتهجها الآباء أثناء التعامل مع زوجاتهم وأبنائهم فمن المؤكد أن هذا يحرمهم من العيش بسلام واستقرار.

لقد قلنا من قبل أن معدلات الطلاق فى مصر تتزايد بصورة ملحوظة، وأن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وثق عددًا من المؤشرات تبين ارتفاع حالات الطلاق بنسبة ١٤.٧%، لكننا تكلمنا وقتها عن الطلاق الناتج عن النزاعات وعدم التوافق النفسى الناتج عن عدم التوافق الاجتماعى فيفترق أفراد الأسرة ويزيد احتمال تشرد الأطفال وانحرافهم وذلك لأن الطفل الذى يعيش فى أسرة مفككة يصبح معرضًا لاكتساب السلوك العدوانى، فيصير عدوانيًا فى الدفاع عن نفسه مع إخوته فى البيت ومع زملائه فى المدرسة كما يخرب الممتلكات العامة أثناء مروره بمواقف صعبة يواجهها.

لقد رأى علماء النفس والاجتماع أن شدة النزاعات والضغوطات الأسرية تنشئ أطفالًا لهم ميول نحو السلوك المنحرف، داخل المجتمعات التى ينتشر فيها العنف فتصبح مضطربة واستقرارها ضعيف أما المجتمعات غير المعرضة للعنف فهى مجتمعات حرة لا يعانى أفرادها من أى نوع من أنواع الخوف أو التوتر أو الاضطراب، فتصبح أكثر أمنًا واستقرارًا.
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات