الدخان الأزرق - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 9:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدخان الأزرق

نشر فى : الجمعة 11 أغسطس 2023 - 8:30 م | آخر تحديث : الجمعة 11 أغسطس 2023 - 8:30 م
تزوجت من سائق تاكسى، لم تكن تعرف عنه شيئًا قبل الزواج، تزوجته فى شقة بالإيجار، اكتشفت بعد فترة أنه ينفق معظم دخله على «مزاجه والكيف»، لا يهتم بالإنفاق عليهم، الحشيش أهم عنده من كل شىء.

اقترحت والدتها عليها أن يعيشا معها فى شقتها خاصة بعد وفاة زوجها وزواج أولادها، قبل الزوجان وكانت أم الزوجة تساعدها فى نفقات البيت، كان لها معاش جيد، ربت أحفادها جميعا، نشأوا فى حضنها وكنفها، أحبتهم وأحبوها، سارت الحياة صافية، لا يعكرها إلا ولوغه فى المخدرات وتضلعه من ظلماتها.

كانت حماته تنصحه بين الحين والآخر أن يلتفت إلى أسرته وأولاده ويهتم بأركان دينه صيامًا وصلاة، كان كارهًا لهذه الفرائض حتى إنه كان يردد على مسامع زوجته «حياتك كلها صيام وصلاة وتسبيح، دعك من هذه الأمور» حينما يراها تنشغل بصوم النوافل أو صلاة الفجر أو قيام الليل، كان يريد امرأة تحشش معه، وتشاركه فى صناعة المزاج والعيش تحت ظلال الدخان الأزرق.

ضاق بحماته ذرعا، طلب منها أن تغادر الشقة رغم ملكيتها لها، على أساس أن لزوجته حقا فيها، كان طلبه هذا يمثل قمة البجاحة والأنانية.

رغم محبة الجدة لابنتها وأحفادها إلا أنها وافقت أن يسكنوا بعيدا عنها، رفض ذلك بحجة أنه لا يملك مالا للإيجار ولا التمليك.

عرض على زوجته وحماته أحد خيارين: إما مغادرة حماته للشقة، وإما تطليق ابنتها، تفتقت «دماغه العالية» المشحونة بالمخدرات عن هذا الحل الجائر الظالم، لم تجد زوجته بدًا من القبول بالطلاق، رغم حرصها على السلام الأسرى وأن يعيش أولادها فى كنف أبيهم.

أيدها أولادها فى اختيار أمها على زوجها، هتفوا جميعا فى حماس «جدتنا ربتنا وأكرمتنا وآوتنا، أما الأب فلم نرَ منه خيرًا، وأنفق معظم دخله على المخدرات».

تم الطلاق الأليم وغادر الزوج الشقة وخرج الأولاد للعمل رغم مرض أحدهم بالزيادة فى كهرباء المخ، وعدم مقدرتها على شراء العلاج باستمرار.

باع الزوج عشرة زوجته الطويلة، ورفض إكرام حماته التى أكرمته، أصابتها جلطة بعد الطلاق، أفقدتها النطق قرابة عام حتى نسيت الكلام، تأقلمت تدريجيًّا مع المرض، حكمت المحكمة بنفقة بسيطة لطفلتها الصغيرة فقط؛ لأن أولادها الذكور الآخرين جاوزوا الـ 18 عاما.

اعتمدت على فرن بسيط فى البيت وبدأت تصنع الخبز، والكعك، والفطائر، وتبيعها للجيران والأقارب، ذاع صيتها، بدأت فى التوسع تدريجيًّا، ربها أغناها بذلك عن تسول الزوج والناس.

تبكى كثيرًا على تحطم أسرتها ولا تنام إلا قليلا، تخبز بالنهار وتقوم بالليل تصلى، تواظب على صلاة الفجر، لا تحصل من زوجها إلا على نفقة تافهة لا تكفى لدرس فى إحدى المواد، أو فحص عند طبيب أو شراء علاج، لم تستلم للمرض ولا لليأس والإحباط، أصبح لها زبائن كثر يطلبون كعكها وفطائرها.

أمها هى سندها فى الحياة، أحاطها أقاربها بالحب والمودة والمؤازرة، بدأت الحياة تصفو لها، حياتها تدور بين عبادة ربها وبر أمها، وصنع فطائرها ورعاية أولادها.

منظومة سعيدة عوضتها بعض الشىء عن صلف الزوج وغروره وإدمانه، سلام على الأمهات المكافحات، سلام على من يطعم أولاده من الحلال، سلام على الصالحات الفقيرات اللاتى لا يتسولن الناس، أما آن للدولة أن تضرب المخدرات ومروجيها بيد من حديد.
التعليقات