يد الشيطان - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يد الشيطان

نشر فى : الثلاثاء 10 مارس 2015 - 9:35 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 مارس 2015 - 9:35 ص

ليس من العدل وضع هذا الفيلم فى خانة «فانتازيا الرعب»، صحيح، مخرجه الدانماركى كريستيان إيبى كريستنس، يستوعب أساليب الغموض، الخطر الداهم، المطاردة، المفاجآت المتوالية، ويجيد استخدام المؤثرات الضوئية، خاصة فيما يتعلق بالظلال، البرق، التماعات العيون، اللقطات الكبيرة، القريبة، للسكاكين.. إنها كلها، وغيرها، متوافرة، مكررة، أكيدة المفعول فى أفلام ترمى إلى تعبئة وتفريغ شحنة خوف عند جمهور، متوتر أصلا. لكن «يد الشيطان»، ينهض على أفكار أهم من هذا الهدف، فهو، جوهريا، يتعرض لمغبة العزلة، وهيمنة الأوهام، والوقوع فى قبضة التعصب، والعداء للمرأة، أصل كل شرور.

يشير الفيلم، فى بدايته، إلى أن أحداثه تدور فى قرية منطوية على نفسها، يسكنها «الأميش»، وهى مجموعة استنت لنفسها قوانين جديدة، تزعم أنها الأصولية المسيحية، بدأت فى الظهور منذ القرن السادس عشر، يعيش أتباعها فى إحدى مقاطعات بنسلفانيا الأمريكية، يطلقون على بلدتهم الصغيرة اسم «بيت لحم الجديد»، لهم أفكارهم وعاداتهم، منها: رفض التعليم المدنى، تجنب الانخراط فى الجيش، عدم استخدام التكنولوجيا الحديثة، الامتناع عن سماع الموسيقى أو ممارسة الفنون، فرض الأكمام الطويلة والملابس الواسعة وتغطية الشعر على البنات والنساء، وإطلاق اللحية بالنسبة للرجال.. وعلى الجميع الالتزام بأوامر وتوجيهات رجل الدين، الأقرب للحاكم المطلق.

فى هذه الأجواء القاتمة تنتشر نبوءة، أقرب للخرافة، تقول إن نذير الشر سيأتى حين تولد ست بنات، فى الشهر السادس، ذلك أن إحدى البنات، بعد «١٨» عاما، ستصبح هى يد الشيطان، وستجلب الدمار على قريتهم «الآمنة» ومجتمعهم السعيد.. وفى لقطات سريعة، ليلية، تتوالى ولادة البنات، تقلصات ألم وجوه الأمهات تمتزج بفزع اكتشاف أن الوليد أنثى.. إحدى الوالدات، فى نوبة هستيريا، تذبح الوليدة ثم تذبح نفسها.. مع لون الدم، والضوء الشحيح للشموع، يهيمن اللون الرمادى المظلم على الشاشة، وتنطلق صرخات ألم.

يقفز الفيلم، زمنيا، «١٨» عاما.. البنات الخمس الباقيات، الرقيقات، هن الوحيدات فى البلدة، اللاتى لا يعرفن بمسألة النبوءة، ينطلقن بفساتينهن البيضاء المحتشمة، نحو بحيرة صغيرة، يمرحن ببراءة، إحداهن تنزل البحيرة، تصاب بنوبة تشنج. تكاد تغرق، لكن شابا، بأداء توماس ماكدويل، ينقذها، فيربط كيوبيد بين قلبيهما.

مشكلة الفيلم الذى كتبه كارل موبلير، تكمن فى ضخامة عدد البنات المتشابهات اللاتى كان من العسير متابعة كل واحدة على حدة، أو إضفاء خصوصية تميزهن عن بعضهن، إلا فى أضيق الحدود.. الوحيدة، التى تتسم بطباع مستقلة، وذات إرادة، هى التى أحبت ـ جينيفر كارينيتر ـ ربما لأن والدها، حليق اللحية، لا يؤمن بالنبوءة التعيسة.

بطولة «يد الشيطان»، أو المساحة الأوسع فى الفيلم، يشغلها رجل الدين، المهيمن على البلدة، صاحب الشخصية العاتية، الأقرب إلى الحاكم المطلق، الأب بيكون، بأداء نجم كبير، يعرف أسرار الأداء التمثيلى، كولم ميانى، صاحب الرأس الكبير، المكتنز باللحم، وشفتين منطبقتين فى عزيمة، وعيون ضيقة، وصوت باتر حاسم. إنه نموذج للفاشية، يرتدى الجلباب الأسود غالبا، يؤثر بعمق فى مستمعيه الجهلة، ويتعمد المخرج تصويره من زاوية منخفضة فيبدو طويلا، متجهما، كشيطان فى بلدة ضعاف العقول.

جانب آخر، خفى، يتكشف فى «بيكون»، فحين ينفرد بالفتاة كى يرى ما إذا كان الشيطان قد مسها، تخرج البنت من صومعته مذعورة، مذهولة، غاضبة، معلنة بوضوح، أن مدعى الفضيلة، تعمد الشروع فى لمس أجزاء جسمها الحساسة، وتتهمه بممارسة الفعل المشين مع أخريات.. أما هو، فإنه يأخذ فى مطاردة الفتاة المختبئة، تغطى نفسها بأكوام التبن داخل حظيرة الخيول.

الفيلم، فى بعد من أبعاده، يفضح الموقف المتجنى من المرأة، فى مجتمع منغلق، يرفض أنوار المدينة التى لابد أن تنتصر فى النهاية، ولكن بثمن باهظ.. صحيح، أن الأمن فى طريقه للقبض على الشيطان البشرى، وربما للقضاء على تلك البلدة الآسنة، لكن بعد مقتل بنات تشير أصابع الاتهام إلى الجناة: «بيكون»، وكل من صدق الخرافة، واقتنع، برعونة، أن المرأة، مكمن الشيطان.. قراءة الفيلم، تبدو، كما لو أنها مشاهدة، لبعض فصول حياتنا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات