أكتوبر.. الأحلام الضائعة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 11:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكتوبر.. الأحلام الضائعة

نشر فى : الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

كل من عاش أيام وليالى تلك الأسابيع، لا ينسى كيف توحدت القلوب وانصهر القلق مع الأمانى ليظهر واضحا على جميع الوجوه، بنظراتها التى تتحاور مع بعضها البعض من دون كلام.. الشعب المصرى فى لحظة نادرة، غدا كائنا واحدا بملايين الاذرع تتناغم حركته سواء على جبهات القتال او داخل البلاد.. حلقت الامال فى آفاق بعيدة، فالعبور لم يكن يعنى فقط الانتقال من الهزيمة الى النصر، أو من ضفة القناة الى الضفة الأخرى.. ولكن كان يعنى العبور الى زمن اخر يتلألأ بأنوار العدالة والمساواة تتاح فيه فرصة العمل والكرامة للجميع، وان ينهض مجتمع جديد ترفرف عليه السعادة وتسرى فى شرايينه روح الطمأنينة والوئام.

برضاء دفع المصريون ثمن النصر من دم ولحم شبابهم.. وخلال عامين عقب حرب اكتوبر جاءت الموجة الاولى من افلام تواكب وتعلق على الحدث.. جاءت ضعيفة هزيلة فى اطار قصة حب تقليدية كما فى الوفاء العظيم لحلمى رفلة حيث ميلودراما الانتقام، وصراع بين شابين من اجل الارتباط بفتاة يخفق قلبها بحب احدهما دون الاخر.. والدها يصر على ارتباطها بالاخر. فى الحرب تنشأ صداقة قوية بين الجنديين الاخر ينسحب من حياة الفتاة متنازلا عنها لزميل اتون النار.

على ذات المنوال مع بعض الاختلافات يأتى «بدور» لنادر جلال والرصاصة لا تزال فى جيبى لحسام الدين مصطفى وغيرهما من افلام يتورم فيها الحب على حساب السياسة والتقرير بدلا من التحليل والتجسيد مع ميل لتملق النظام الجديد، الذى لم يتبلور بعد ضد النظام القديم الذى حسب وجهة نظر قاصرة، ظلم الناس وادى الى النكسة.. عامل الصرف الصحفى فى «بدور» يعمل تحت الارض فى غرفة المجارى، وبفضل الحرب تتاح له فرصة الخروج الى وش الدنيا ويلجأ «الرصاصة لاتزال فى جيبى» إلى رموز مفتعلة متجنية فالبطلة ــ مصر ــ يغتصبها الرجل المهم الواسع النفوذ وتقع فى الوحل لكن ابن عمها البطل المغوار يصر على الزواج منها ويقف ضد ما يمارسه مكمم الافواه وتندلع حرب اكتوبر ويشارك فيها البطل ويعود منتصرا وفى نهاية سعيدة كما بقيت الافلام يتزوج البطل من البطلة.

خبرة السينما المصرية ضعيفة فى مجال الافلام الحربية فالمعارك فيها تبدو بطيئة وبليدة وأحيانا اقرب للمشاجرات او «الخناقات» او مطاردات العصابات.. وعلى الرغم من الجهد الكبير الذى بذله حسام الدين مصطفى فى إخراجه لمشاهد تحرير مدينة القنطرة، فإن الخطأ الفادح الذى وقع فيه يتمثل فى غياب العدو حيث لا يظهر منه سوى عدة جنود لا يستحقون كل هذا القدر من الطاخ طيخ.

تعرضت هذه الافلام للنقد الشديد، وعلى الرغم من وعود صناع السينما بتقديم أعمال تليق بمجد وقوة حرب اكتوبر فإن هذه الموجة خفت وكادت تتلاشى ذلك ان ما حدث واقعيا كان مناهضا وبسرعة لكل الأمانى والتوقعات فما هى الا سنوات قليلة، حتى بدأ الانفتاح ثم الخصخصة مع البيع المحموم لثروة البلاد من المصانع والقطاع العام مع تسريح آلاف العمال وقمع الافكار التنويرية بغلق مجلة الكاتب واغتيال مجلة الطليعة اثر انتفاضة يناير 1977 بعد اكتوبر بأربع سنوات وصاحب هذه التغيرات اطلاق قوى الظلام وتسليحها بالجنازير والاسلحة البيضاء لترويع طلبة الجامعات اصحاب الضمير الحى.

مع فيلمى «سواق الأتوبيس» لعاطف الطيب 1982 وبيت القاضى لاحمد السبعاوى 1984 بدأت موجة أفلام ترصد بشجن الاحلام الضائعة لحرب اكتوبر، بطل سواق الاتوبيس يحاول بكل طاقته انقاذ ورشة والده من الغلق والبيع وها هو فى مشهد ليلى بديع عند سفح الهرم مع زملاء الحرب الشريفة يتذكر معهم من استشهد ويعبر بأسى عن ذلك الواقع الضنين الذى يعيشه مع توغل قيم الشراهة التى اصابت حتى افراد اسرته ودفعتهم على نحو محموم الى بيع الورشة رمز العمل لاقامة عمارة للطبقة الجديدة تحتها معرض موبيليات يؤكد هيمنة نزعة التجارة والثراء السريع التى حلت مكان روح التضحية والفداء.

بعيدا عن التفاصيل يتطلع ثلاثة من ابطال بيت القاضى الى صورة فوتوغرافية لهم بملابسهم العسكرية ابان حرب اكتوبر نلمح فى الصورة على الوجوه مزيجا ساحرا من الكبرياء والعناء والامل وبجلاء نلمس عمق الصداقة التى عمدت بالدم والنار.. لكن ما ابعد اليوم عن البارحة فالفيلم ينتهى بأحدهم، المبتور الذراع، جريحا، مشوه الوجه، بعد ان ضربه بعض الاشقياء بالموس ومع سكرات الموت يتذكر المحتضر ويذكر صديقيه، ويذكرنا ايضا بتلك الايام التى لم تمت ابدا فى قلبه ايام المجد والنزال والتحدى والإرادة والآمال الكبيرة التى لم يكن احد يتصور ان تنتهى الى ما انتهت اليه.. فكيف ولماذا!؟ هذا ما تجيب عنه أفلام أخرى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات