ترامب خطوتان للأمام خطوة للوراء - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 1:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب خطوتان للأمام خطوة للوراء

نشر فى : الإثنين 8 مايو 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 8 مايو 2017 - 9:50 م
تناولت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والدولية مناسبة مرور المائة يوم الأولى من رئاسة الرئيس الأمريكى الحالى دولاند ترامب. وقد رأى منتقدوه أن هذه الفترة الزمنية كانت شديدة السلبية وتشى بإدارة مضطربة للغاية، فى حين أشاد مؤيدو الرئيس ومناصروه بالإنجازات التى تحققت وكيف أنه حافظ على وعوده الانتخابية. وقبل أن ندخل فى مناقشة الأيام المائة هذه وما تحمله من شواهد أو مؤشرات، علينا أولا فهم كيف نشأ مفهوم «المائة يوم الأولى» ودلالاته.
تعود الفكرة أساسا إلى الرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين روزفلت الذى تم انتخابه عام ١٩٣٣ فى خضم ما اصطلح على تسميته بفترة الكساد الكبير إثر الانهيار الشهير لسوق الأوراق المالية فى عام ١٩٢٩، وما أعقب ذلك من أزمة اقتصادية طاحنة. وقد أراد روزفلت أن يميز إدارته عن إدارة سلفه الجمهورى هيربرت هوفر فتعهد (أى روزفلت) بأن يكون أكثر نشاطا وفاعلية عن هوفر، وأن ينجز فى المائة يوم الأولى من إدارته ما يخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية. وقد نجح روزفلت فعلا فى تمرير العديد من القوانين والتشريعات من خلال الكونجرس خلال المائة يوم الأولى من عهده والتى أطلق عليها «الصفقة الجديدة The New Deal»، وكانت فعلا السبب الرئيسى فى خروج أمريكا من أزمتها الاقتصادية آنذاك.
لذلك درج العديد من السياسيين والرؤساء الأمريكيين بعد ذلك إلى محاولة تقليد المائة يوم الأولى هذه، وكان الإعلام الأكثر اهتماما بهذه الفترة للحكم على أداء الرؤساء فى بداية فترة عملهم واستخلاص النتائج واستشراف المستقبل. ولكن كما أشار العديد من الباحثين فإن معظم الإنجازات التى تحققت فى مختلف العهود كانت فى أوقات مختلفة، وليست خلال المائة يوم الأولى. والأمثلة عديدة من بينها التشريعات التى قدمها ليندون جونسون وعرفت باسم «المجتمع الكبير Great Society» والتى تقترب فى أهميتها وتأثيرها من تشريعات روزفلت سالفة الذكر. وعليه يمكن القول إن المعيار الأهم هو ما تحقق من إنجاز فى النهاية وليس بالضرورة إذا كان فى المائة يوم الأولى أم لا.
ومع ذلك، تظل لهذه الأيام المائة دلالاتها فى الحكم على بداية عهد أى رئيس، وأى مسار سيتخذه. والمتابع لحملة ترامب الانتخابية وما أطلقه من وعود، لا يسعه إلا أن يلاحظ أن تغييرا ما قد حدث. فقد كان ترامب فى حملته الانتخابية تجسيدا حيا للخطاب القومى الشعبوى بكل ما يحمله ذلك من معانٍ. حيث تبارى ترامب مع منافسيه من الحزب الجمهورى فى استمالة القاعدة الشعبية بإطلاق الوعود حول تخفيض الضرائب، وتنفيذ مشروعات فى البنية التحتية بقيمة تريليون دولار، والرجوع عن القوانين والتشريعات التى تحد من انطلاق القطاع الخاص وغيرها وغيرها، وهو ما أدى به فى نهاية المطاف إلى دخول البيت الأبيض بعد تغلبه على التيار المحافظ والتقليدى داخل الحزب الجمهورى، ثم الفوز بثقة الكثيرين من صفوف الطبقة الوسطى والعاملة والذين كانوا يصوتون تقليديا للحزب الديمقراطى. بل إن حماس هذه الكتلة الانتخابية وإيمانها بوعود ترامب الانتخابية انتقل بدوره إلى سوق الأوراق المالية التى ربحت ثلاثة ترليونات دولار إضافية لقيمتها السوقية منذ الإعلان عن فوز ترامب فى نوفمبر الماضى وحتى الآن.
ودون الدخول فى سرد كل ما تعهد به ترامب خلال حملته الانتخابية، دعونا نتناول ثلاثة موضوعات رئيسية تعهد ترامب بالتعامل معها بشكل جذرى فور دخوله البيت الأبيض. أولا العلاقة مع الصين، والتى كان ترامب دائم الهجوم عليها، متهما إياها بالتلاعب فى عملتها مما ألحق أضرارا جسيمة بالصناعة الأمريكية، وتحدث عن فرض ضرائب إضافية بقيمة ٤٥٪ على الواردات الصينية، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث. بل إن اللقاء مع الرئيس الصينى كان وديا للغاية وكان السبب ــ كما عرف بعد ذلك ــ هو حاجة الولايات المتحدة لتعاون الصين معها فى المسألة الكورية.
ثانيا: وعده ببناء جدار بطول ١٠٠٠ كيلو متر على الحدود مع المكسيك للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وعلى أن تقوم المكسيك بدفع تكاليف بنائه. وبالطبع رفضت المكسيك دفع تكاليف بناء الجدار، ولكن الأهم كان رفض الكونجرس ذى الأغلبية الجمهورية تمويل بنائه كذلك.
ثالثا: قانون أوباما للرعاية الصحية والوعد بتعديله أو إلغائه، والذى يعد بندا رئيسيا فى برنامج الحزب الجمهورى. وكان من المفترض أن يكون أول وأكبر إنجاز لترامب فى المائة يوم الأولى من إدارته. ورغم أنه قد تم أخيرا تمرير القانون الجديد فى مجلس النواب، (بأغلبية صغيرة للغاية، ٢١٧ صوتا ضد ٢١٣). إلا أن ذلك لا يمثل نهاية المطاف، حيث إنه ما زال على ترامب الحصول على موافقة مجلس الشيوخ. وبما أن الأغلبية المطلوبة هنا هى ٦٠ من ١٠٠، وليست الأغلبية البسيطة، فلنا أن ندرك حجم التحدى الذى يواجه ترامب فى هذا المجلس الذى يبلغ عدد أعضائه الجمهوريين ٥٢ مشكوكا فى تأييد بعضهم.
لا شك أن أحد أهم أسباب نجاح ترامب فى حملته الانتخابية وتقلده منصب الرئاسة كان كم التصريحات والوعود الانتخابية التى أطلقها، وهو ما يتسق مع ما يجرى أثناء الحملات الانتخابية. ولكن ترامب أسرف فى الوعود بحكم تكوين شخصيته وخبرته المهنية كرجل مبيعات لا يتورع عن المبالغة فى تجميل السلعة التى يروج لها، فإذا كانت السلعة هذه المرة هى البيت الأبيض فلنا أن نتخيل ما فعله «رجل المبيعات» ترامب من أجل تحقيق هدفه. وكان له ما أراد، ثم جاءت لحظة الحقيقة. هنا كان الدرس الأول، أن إطلاق الوعود غير تنفيذها، وأنه يحتاج مثلا إلى مساعدة الصين وليس مهاجمتها. ثم كان الدرس الثانى، أن عليه تقديم تنازلات وعقد تفاهمات مع أعضاء حزبه الذين سبق وأن انتقدهم بشدة حتى يستطيع تحقيق وعوده السابقة، بعد أن ثبت له أن قاعدته الانتخابية ليست كفيلة وحدها بتمرير مشروعاته وتشريعاته كما حدث مع قانون أوباما للرعاية الصحية فى مجلس النواب. الدرس الثالث والمنتظر حين يتم عرض قانون أوباما للرعاية الصحية فى مجلس الشيوخ، حيث سيكون على ترامب أن يقتدى بالرئيس الجمهورى الأسبق رونالد ريجان فى نسج علاقات التحالف مع بعض أقطاب الحزب الديمقراطى المناوئ له حتى يستطيع تحقيق برنامجه الجمهورى.
ولذلك يمكن القول إن ترامب أدرك خلال هذه الأيام المائة وبالطريق الصعب أن ممارسة الحكم وإدارة الدولة تختلف عن الحملات الانتخابية وإدارة الشركات الخاصة، ويصبح السؤال الذى يطرح نفسه هو ما إذا كان ترامب سيتعلم من خلال الممارسة أم سيغلب الطبع التطبع؟

 

التعليقات