فتحى عبادة.. الغائب الحاضر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فتحى عبادة.. الغائب الحاضر

نشر فى : الأربعاء 6 أكتوبر 2010 - 9:59 ص | آخر تحديث : الأربعاء 6 أكتوبر 2010 - 9:59 ص

 بعيدا عن أفلام «البروبجندا»، ذات الصوت الخطابى الأجوف، العالى، جاءت موجة الأفلام التسجيلية، الإنسانية، مترعة بروح وطنية صادقة، عقب توقف معارك أكتوبر 1973.. أفلام حققها، بمهارة عالية، مخرجون عاشوا، بقلوبهم وعقولهم، أيام الحرب، وما قبلها وبعدها، لحظة بلحظة، وبالتالى غدت أعمالهم، جزءا من الضمير المصرى، لا ينبض بالعرفان للأبطال، وآلاف الشهداء وحسب، بل ينصف، بنزاهة، كل من أسهم فى صنع الأبطال، وكل من دفع ثمن الكرامة وتحرير الأرض، من لحم ودم أبنائه.

تنوعت اتجاهات أفلام هذه الموجة، فبرغم عدم وجود مواد أرشيفية من قلب المعارك، فإن فرسان السينما التسجيلية نجحوا، بأساليبهم المتباينة، فى إبراز العديد من جوانب هذه الحرب: هاشم النحاس فى «مبكى بلا حائط» يتأمل معدات العدو الثقيلة، القوية، المدمرة، على نحو يؤكد شراسة القتال من ناحية، وشجاعة من استطاع مواجهتها وتدميرها من ناحية أخرى.. خيرى بشارة يلتقى الجندى محمد عبدالمعطى، الذى استحق لقب «صائد الدبابات».. شادى عبدالسلام، يصور أقدام الجنود الراسخة فوق رمل سيناء، على نحو يؤكد أنهم فعلا «جيوش الشمس»، وثمة الكثير من أفلام تستحق الدراسة، ولكن أحسب أن «أبطال من مصر» الذى حققه أحمد راشد يعتبر إنجازا جديرا بالتذكر.

أحمد راشد «1938 ـ 2006»، يتمتع بأسلوب يتوافق تماما مع شخصيته المتزنة، الهادئة، الحانية، وفى فيلمه هذا، الأقرب للقصيدة المليئة بالشجن، يجعلنا نثق فى صلابة الشعب، وينبهنا إلى أبطال من نوع آخر.. وربما أراد أحمد راشد، برقته، أن يخفف جرعة الحزن النبيل تجاه الشهيد «فتحى عبادة» فلجأ إلى أمرين: أولهما التأكيد على الانتصار، من خلال قصة ضابط الدفاع الجوى الذى يحكى عن كيفية إسقاط طائرات العدو، وثانيهما، وهو الأهم، تلمّسه لعالم الغائب الحاضر: فتحى عبادة.. فما إن تصل عربات التصوير إلى قرية «الملاحية البحرية» حتى يسأل أحد أطفال الفلاحين عما إذا كان القادمون سيقومون بإدخال النور إلى القرية؟ وبنظرة سريعة من كاميرا سعيد شيمى اليقظة للبيوت والناس والحارات الضيقة الملتوية ندرك أننا فى واحدة من القرى التى لم يكتب اسمها واضحا فى الخرائط.

إن كل شىء فى القرية يبدو من الخارج خشنا وهشّا وفقيرا. لكن الفيلم يكتشف، ويكشف لنا، أن هذا المظهر الخارجى يخفى نعومة وصلابة وثراء يتمثل فى التاريخ الكفاحى العظيم لأسرة نقيب الاحتياط بسلاح المدفعية الذى استشهد بسيناء فى 21/11/1973، ويشعرنا الفيلم بحضور «فتحى عبادة» حين تمر الكاميرا على كتبه المهترئة الأغلفة، المرتبة على منضدة قديمة، استخدمها أثناء دراسته الجامعية، كما نستمع لشذرات من خطاباته التى تقطر بالمحبة تجاه الوطن والأسرة، يقرأها والده، عامل الرش، بوجهه المصرى الأسمر، الذى لوحته الشمس، وترك فيه الزمن والعناء تجاعيد غائرة، ساحرة..

 

ثم الأم، العاملة بوزارة الصحة، كاملة محمد عبدالتواب، النحيلة، التى لا تنكسر، شأنها شأن الخيزرانة. تؤمن بقضاء الله، وبصوتها المتهدج تقول من قلبها «لكن الفراق صعب».. ومن خلال حديث أشقائه، وأصدقائه، ندرك أنهم جميعا، وقريته المنسية، يستحقون وصف «أبطال من مصر».

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات