خيارات المستقبل في إيران - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 8:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خيارات المستقبل في إيران

نشر فى : الإثنين 6 يوليه 2009 - 6:53 م | آخر تحديث : الإثنين 6 يوليه 2009 - 6:53 م

بعدما انتهت فى إيران الفورة وجاءت الفكرة، تداعت أسئلة المستقبل وخياراته قوية وملحة، ليس فى الداخل فحسب، ولكن فى أنحاء الكرة الأرضية الأربعة.

(1)
صحيح إن ما جرى بعد الانتخابات كان مدهشا ومفاجئا ومثيرا. لكن الصدى فى العالم الخارجى كان مدهشا ومفاجئا أيضا. وهو من ناحية كشف عن مدى قوة الحضور الإيرانى فى الوجدان العام، كتجربة مثيرة وقوة إقليمية كبرى من ناحية، وكدولة سببت إزعاجا للعالم الغربى بوجه أخص من ناحية ثانية. ثم ــ وهذا عنصر مهم ــ كهدف ظلت أطراف عدة فى العالم العربى متوجسة منه أو متربصة به. إما لتصفية حسابات خاصة، أو تنفيذا بالوكالة لحسابات آخرين.

حضرت ندوة عن إيران بالدوحة دعا إليها «مركز الجزيرة للدراسات» فى الأسبوع الماضى، وشارك فيها اثنان من المحللين السياسيين الإيرانيين الذين تستطلع وسائل الإعلام العربية آراءهم بين الحين والآخر. ومن الملاحظات التى أبداها أن بعض الصحفيين العرب يتصلون بهما هاتفيا، لا لكى يتعرفوا على تحليلهما للتطورات التى تشهدها إيران، ولكن لكى يحصلوا منهما على شهادات أو قرائن تؤيد افتراضات مسبقة عندهم.

قال لى أحدهما إن إحدى الفضائيات العربية اتصلت به لتسأله عن مساندة «البازار» للسيد مير حسين موسوى ومظاهر الثورة فى شارع ولى عصر. فكان رده أن البازار لم يؤيد موسوى، وعلاقته مع رموزه متوترة بسبب سياسته منذ كان رئيسا للوزراء قبل عشرين عاما. ثم إنه لا توجد مظاهرات فى شارع ولى عصر (أطول شوارع طهران)، وكل ما هناك أن 150 شخصا تجمعوا أمام مجلس الشورى وهتفوا ضد الحكومة وأحمدى نجاد، وهو ما يتعذر وصفه بأنه من مظاهر الثورة. ولكن مندوب الفضائية أصر على أن البازار مع موسوى وأن هناك مظاهرات حاشدة فى شارع ولى عصر، حينئذ قال لى زميلنا الإيرانى: أنا الموجود فى طهران وليس أنت، وإذا كنت ترى وأنت فى لندن أشياء لا نراها نحن فى قلب طهران فأنت حر. ثم قطع الخط وأغلق الهاتف.

الثانى قال إن صحفية عربية اتصلت به هاتفيا وسألته عن دور الباسيج (قوات التعبئة) فى إطلاق الرصاص على الشابة ندى، حتى قتلوها وهى سائرة وسط المتظاهرين. فى رده قال: إنه ليس صحيحا أن الباسيج وراء عملية القتل. ولكن ثبت أن الرصاصة التى أصابتها ليست مما تستخدمه الأجهزة الأمنية. كما أن ندى لم تكن ضمن المتظاهرين، إنما هى كانت تسير فى طريق بعيد عن مكان تجمعهم. ولكن الصحفية أصرت على أن الباسيج هم الذين قتلوها، وأنها كانت وسط جمهور المتظاهرين. حينئذ رد عليها صاحبنا قائلا: إذا كانت كل المعلومات لديك وأنت متأكدة من صحتها، فلماذا تسألينى عن الوقائع إذن؟

(2)

كثير من المحللين وقعوا فى الخطأ ذاته، فعالجوا ما جرى انطلاقا مما تمنوه. حتى شاعت فى كتاباتهم الإشارات الدالة على أن ما جرى هو مقدمات «ثورة مخملية» على غرار ما حدث فى بعض دول أوروبا الشرقية. وكان ذلك فى أحسن فروضه من قبيل التسرع الناجم عن الكسل العقلى، الأمر الذى حجب عنهم الكثير من تعقيدات الصورة وخلفياتها.

فكثيرون لا يعرفون مثلا صلة القرابة الشديدة من ناحية الأب التى تربط بين السيد خامنئى والسيد ميرحسين موسوى (للعلم: شقيق المرشد السيد هادى خامنئى من زعماء الإصلاحيين). وفى وقت مبكر، سبعينيات القرن الماضى، كانا يشتركان فى آرائهما الإصلاحية والتقدمية. وهذه القرابة كانت الباب الذى دخل منه موسوى إلى عالم السياسة ومشروع الثورة الإسلامية. إذ كان السيد خامنئى هو الذى قدمه إلى الإمام الخمينى، ورشحه لرئاسة الحكومة. وكان السيد خامنئى رئيسا للجمهورية وقتذاك، الأمر الذى أثار خلافا بين الرجلين بسبب الصلاحيات. واحتدم ذلك الخلاف ذات مرة، الأمر الذى أدى إلى غضب السيد موسوى وامتناعه عن الذهاب إلى مكتبه واختفائه عن الأنظار لعدة أيام. وهو ما أزعج الإمام الخمينى فوجه إليه رسالة عتاب قال فيها إنه لولا ثقتى فيك وخدماتك التى قدمتها للثورة الإسلامية لكان لى معك شأن آخر.

فى وجود الإمام الخمينى وأثناء رئاسة السيد موسوى للحكومة، كان السيد خامنئى مقيد الحركة ومضغوطا عليه من الطرفين. وبعد وفاة الإمام تم اختيار خامنئى مرشدا، وكان للشيخ هاشمى رفسنجانى دوره المهم فى ترتيب إيصاله إلى ذلك المنصب. وفى ظل الدستور الجديد الذى صدر فى عام 1989، وبعد إلغاء منصب رئيس الوزراء، أصبح الشيخ رفسنجانى رئيسيا للجمهورية، إلى جانب «المرشد» السيد خامنئى. ولأن الثانى شخصية قوية ومستقلة، فإن دور المرشد إلى جانبه ظل محدودا، من حيث إنه بقى مغلول اليد بصورة نسبية. وبعدما انتهت مدة رفسنجانى وتم انتخاب السيد محمد خاتمى رئيسا للجمهرية، ظلت يد المرشد فى شئون الحكم مغلولة أيضا لمدة ثمانى سنوات أخرى. وفى سنة 2005 حدث تطور مهم للغاية فى تركيبة هرم القيادة بإيران، إذ انتخب الدكتور أحمدى نجاد رئيسا للجمهورية، وفاز على الشيخ رفسنجانى الذى تلقى هزيمة قاسية آنذاك. وأهمية هذا التطور تكمن فى عدة أمور، أبرزها أن أحمدى نجاد، الذى كان رئيسا لبلدية طهران وقتذاك، يدين بولاء شديد للسيد خامنئى، وهو ما كان يعنى أنه ــ لأول مرة منذ قامت الثورة ــ ستكون له اليد الطولى فى إدارة البلد. وكان يعنى أيضا أن الجيل الثانى من أبناء الثورة ممثلا فى أحمدى نجاد قد تقدم خطوة إلى الأمام فى سلم القيادة. كما كان يعنى أن أسهم الشيخ رفسنجانى اتجهت إلى الهبوط، شعبيا على الأقل.

منذ انتخاب أحمدى نجاد، وفى ظل التوافق الذى يصل إلى حد الامتثال مع المرشد، أصبح دور هاشمى رفسنجانى وفريقه مهمشا بصورة نسبية فى مسئوليات الحكم رغم أنه يرأس مجمع تشخيص المصلحة ومجلس الخبراء. وهو لم يكن سعيدا بذلك بطبيعة الحال. الأمر الذى يفسر وقوفه إلى جانب منافسى أحمدى نجاد فى معركة الانتخابات الرئاسية، واعتماد مير حسين موسوى فى تمويل حملته الانتخابية على دعم ابنى الشيخ هاشمى اللذين أصبحا من كبار الأثرياء، وهو ما قد يفهم منه أن الشيخ كان يسعى لاسترداد مكانته.

معروف أن السيد خاتمى كان قد أعلن ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة، وحين تقدم موسوى بأوراق ترشيحه رسميا، فإن خاتمى استاء من هذا التصرف، ولم يكن أمامه سوى أن يتراجع، خصوصا حين أدرك أن الشيخ هاشمى وراءه. ولم يخل المشهد فى مجمله من مفارقة، لأن المرشحين الثلاثة «كروبى موسوى رضائى» من الجيل الأول للثورة فى حين أن أحمدى نجاد الذى تحداهم من الجيل الثانى. أما المتظاهرون الذين خرجوا به فى الشوارع غاضبين ومحتجين، فهم من الجيل الثالث.
(٧٠٪ من أبناء الشعب الإيرانى تحت سن الثلاثين).

3ــ

قلت فى الأسبوع الماضى إن الأزمة انتقلت من الأرصفة إلى الأروقة، بمعنى أن آثارها اختفت من الشارع، ولا تزال تداعياتها تتفاعل فى محيط النخبة، على الأقل فى حدود العلماء ورجال السياسة.
قال لى أحد المقربين من الشيخ رفسنجانى إن الرجل أدرك أن الأمور خرجت عن السيطرة، فما بدأ تنافسا على الرئاسة وصراعا بين أجنحة مشروع الثورة الإسلامية حول النفوذ والصلاحيات، ظل مكتوما طول الوقت، انتهى على نحو مختلف تماما، إذ شوهت صورة الجمهورية الإسلامية، وفقدت فى الخارج تماسكها التقليدى.

كما تراجعت هيبة المرشد بصورة نسبية، وهذا العنصر الأخير تجلى حين دعا السيد خامنئى فى خطبة الجمعة (19/6) إلى الهدوء والقبول بنتائج الانتخابات، وبعد أربع ساعات خرجت المظاهرات فى طهران متحدية تلك الدعوة وهو ما لم يحدث من قبل بهذا الحجم لأنه من حكماء النظام ودهاة أهل السياسة، فإن رفسنجانى تراجع خطوة إلى الوراء، وحرص على أن يلعب دور الوسيط فى حل الأزمة.

قلت لأحد الخبراء الإيرانيين إن خطاب المرشد بدا استباقا لقرار مجلس صيانة الدستور الذى يفترض أن يبحث شكاوى المرشحين وطعونهم، كأنه فصل فى قضية ما زالت منظورة أمام المحكمة. فى رده قال إن المرشد اجتمع مع موسوى بعد إعلان النتيجة ودعاه إلى تقديم شكواه إلى مجلس صيانة الدستور المختص بدراسة الطعون الانتخابية، فدعو صاحبنا بتهدئة الأمور، لكنه لجأ إلى الشارع وطالب بإلغاء الانتخابات، كما اجتمع المرشد فى اليوم التالى مباشرة مع ممثلى المرشحين الأربعة (خمسة عن كل مرشح)، ولكن اللجوء إلى الشارع استمر، وتصعيد موسوى لم يتوقف، لذلك لم يجد المرشد حلا سوى أن يتدخل، ويتحدث مباشرة إلى الناس لاحتواء الموقف، والحيلولة دون اتساع نطاق المظاهرات.

ما يلفت النظر فى المشهد أن أحدًا من الإصلاحيين لم يتحدث عن النظام، ولكن تركيزهم الأساسى كان ولا يزال حول صلاحيات المرشد وسقف الحريات العامة المتاح. لكن الضغوط والقوى الخارجية سعت طول الوقت إلى تصوير ما جرى وكأنه صراع ضد النظام وليس بين أجنحته وحول أساليبه.

4ــ

أخشى ما أخشاه أن يؤدى استمرار توتير الموقف فى إيران ومواصلة تحريض المعارضين على السلطة إلى عسكرة النظام، بمعنى زيادة نفوذ الأجهزة الأمنية، بمظنة أن ذلك ربما كان ضروريا لحماية الجمهورية الإسلامية من التهديدات التى تتعرض لها. وهذه الأجهزة، خصوصا حرس الثورة وقوات التعبئة قوية بما فيه الكفاية، ويقال إن 36٪ من اقتصاد البلد تحت سيطرتها، وليس مستبعدا أن يشكل الظرف الراهن مناخا مواتيا لتمددها وزيادة دورها فى الحياة السياسية.

العسكرة ليست الخيار الوحيد أمام النظام، لأن الأزمة قد تكون دافعا إلى الانكفاء على الداخل، فى محاولة للملمة الجراح، والتعاطى مع المشكلات الداخلية، السياسية والاقتصادية، وغير ذلك من الأسباب الاجتماعية للغضب، التى دفعت الناس إلى التظاهر والاحتجاج.

ثمة خيار ثالث أمام المرشد هو أن يثبت حضورا أكثر فاعلية فى السياسة الخارجية، لكى يعطى انطباعا للمراقبين والمتربصين فى الخارج بأن النظام لا يزال محتفظا بعافيته وقدرته على التأثير، وهو ما يستدعى دورا أكثر نشاطا فى العراق وأفغانستان، ودعما أكبر للقضية الفلسطينية والمقاومة الإسلامية عموما، وتشددا أكثر فى الملف النووى.

أما خيارات السيد موسوى فهى محدودة. فقد يكتفى بمواصلة إصدار البيانات عبر موقعه الإلكترونى، التى يتمسك فيها بمطلب إلغاء الانتخابات وعدم الاعتراف بشرعية الحكومة. وهو ما لا يعنى الكثير بمضى الوقت. ويتحدث المحيطون به عن بديلين آخرين، أحدهما أن يدعو إلى عصيان مدنى حتى تستجاب مطالبه. لكنه ليس واثقا من نجاح الدعوة، وفشله فيها يعنى هزيمة أخرى له.

الثانى يتمثل فى تشكيل حزب (الكلمة الخضراء) ليخوض فى انتخابات البلديات التى ستجرى بعد عام.
وإذا فاز برئاسة بلدية طهران، فقد يفتح ذلك له الباب للفوز برئاسة الجمهورية، كما حدث مع أحمدى نجاد، ولكن ذلك ليس أمرا سهلا، لأن حلفاءه لهم تجمعاتهم أو أحزابهم الخاصة (خاتمى/ حزب المشاركة ــ كروبى/ اعتماد مللى ــ رفسنجانى/ كوادر البناء) أما الاحتمال الأسوأ فهو أن يستمر موسوى فى تصلبه.

وعناده وتشهيره بالانتخابات وانتقاده للمرشد، بحيث يدفع ذلك المتشددين من معارضيه إلى المطالبة بمحاكمته بما يؤدى إلى سجنه فى نهاية المطاف.

حين سألت عن تفسير لحالة المعاندة التى جعلت الرموز الثلاثة يتشبثون بمواقفهم وآرائهم، السيد خامنئى وأحمدى نجاد والسيد موسوى، قال لى أحد الخبراء الإيرانيين ضاحكا، إنه «العرق التركى» الذى نقح وغلب، فخامنئى وموسوى من عائلة آذرية تركية، وكذلك أحمدى نجاد الذى نزحت أسرته من أذربيجان قديما، وأثبتت التجربة أنه لا يزال وفيا لأصوله التركية. 
 

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.