حياة فى سباق الأغنيات - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 7:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حياة فى سباق الأغنيات

نشر فى : السبت 5 نوفمبر 2022 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 5 نوفمبر 2022 - 9:50 م
صوته لا يوحى أبدا بأنه أصلع. على مدى سنوات رافق صبا وشباب البنات والأولاد، من خلال سباق الأغنيات الذى قدمه بنجاح فى البرنامج الأوروبى، وتابعه من هم أكبر عمرا على موجات البرنامج الموسيقى.
لم يكن يعرف أحد شكله وهيئته إلا عندما التحق بالتليفزيون للعمل فى نوعية أخرى من البرامج مستثمرا شهرته وقدراته اللغوية، فقد كان يتقن الفرنسية كأهلها ويتحدث الإنجليزية بطلاقة. كان ذلك فى منتصف ثمانينيات القرن الفائت، فى حين بدأ شغله فى الإذاعة منذ الستينيات. أما الآن وبعد اعتزاله، عالم بأسره شعر بالترمل.
سمح له عمله بتنمية حبه للموسيقى التى هى ولعه الأول والأخير، بل ملاذه الآمن أيضا. وصار هو من يقرر تقريبا، بعد فترة من الوقت والخبرة، ما هى الأغنيات الأجنبية التى ستتصدر المبيعات. استمر ذلك طويلا حتى طعن هو فى السن وتراجعت أهمية هذه النوعية من البرامج بسبب انتشار الوسائط المتعددة وتحميل الأغنيات منذ مطلع الألفية الثانية، وما تبعه من تغير فى شكل السوق.
• • •
راح شريط الذكريات يمر من أمام عينيه منذ تلك اللحظة التى هاتفه فيها أحدهم ليطلب إليه المشاركة فى ليلة خاصة بنوستالجيا السبعينيات والثمانينيات، حفل ضخم يجمع نخبة من نجوم ذلك الزمن الذى راح بلا عودة، ودون أن يدرى هل كان جميلا حقا أم كان الحنين والشهرة هما ما أكسباه سحرا انعكس على حياته كلها، فقد صار من صار.
جلس يقلب آلات الهارمونيكا الصغيرة التى جمعها عبر السنوات، هواية قديمة رافقت حبه للعزف على البيانو منذ الصغر، إذ انتمى لعائلة موسيقية، فأمه مغنية أوبرا وأبوه قائد أوركسترا. ورغم محاولته التمرد على مسار الأسرة بدراسة القانون، إلا أنه سرعان ما ترك وظيفته جانبا وجرى وراء شغفه.
عمل فى البرنامج الأوروبى الذى أنشئ مع بداية الإذاعة الحكومية المصرية عام 1934 وكانت تبث برامجها بالاتفاق مع شركة ماركونى، قبل أن يتم تمصيرها وإلغاء العقد مع الطرف البريطانى فى منتصف الأربعينيات وتدعيم البنية التحتية للإذاعات الموجهة التى ضمت ست لغات: الإنجليزية والفرنسية واليونانية والألمانية والإيطالية والأرمنية ليصل البث خارج مصر، إضافة إلى كونها همزة وصل بين الجاليات المختلفة المستقرة فى الداخل.
• • •
قرأ كثيرا عن تاريخ المكان الذى صار جزءا منه وزار مقراته المختلفة من شارعى علوى والشريفين بوسط المدينة إلى ماسبيرو حيث عمل منذ سنة 1965، وكانت هذه أيضا بداية إذاعة البرنامج الموسيقى.
قرأ كذلك بنهم عن تاريخ الموسيقى والغناء لكى يتمكن من وضع الأمور فى نصابها ويشرح للناس أسباب ظهور هذا النمط أو ذاك. كان عليه دوما أن يواكب العصر، أن تظل روحه شابة وثابة لأنها تنعكس بالضرورة على صوته الذى قد يكشفه فى أى لحظة.
صنع لنفسه مستعمرة منعزلة تحوى كل شيء يريد. لا أحد يستطيع التسلل إلى الداخل بدون تصريح. يستيقظ ولمعة خيوط النهار تسحب الناس إلى الشوارع. ويضع السماعات الضخمة على أذنيه معظم ساعات اليوم، سواء كان فى الاستوديو أمام الميكروفون أم فى المواصلات لكى يهرب من ضجيج الزحام.
السماعات كانت بالنسبة له كالأسوار التى يتوارى خلفها، كالجدار العازل الذى يقيه من تطفل الآخرين، فقد كان يلبسها حتى لو لم يكن يستمع بالضرورة إلى شيء محدد، مثله مثل من احتمى بجريدة فى المترو أو الحافلة ورفعها لتغطى وجهه، وركز نظره عليها معلنا بذلك عن عدم رغبته فى التواصل. وقبل فترة ليست ببعيدة، كان يلجأ إلى جهاز «ووكمان» صغير مثل مراهقى التسعينيات.
***
لم تكن السماعات وحدها هى درعه الواقى، بل كانت هناك اللغة أيضا، فقد قرر تلقائيا أن ينتسب إلى الثقافة الفرنسية، كانت بوابته إلى العالم فيما بعد وإلى ثقافات أخرى أجنبية، وإن دخلت الإنجليزية التى يجيدها إلى حياته على استحياء، إذ تعلم الفرنسية وتحدث بها منذ سن السابعة. عرف أهم مغنيها مثل تينو روسى وليو فيريه المفضلين لدى والديه اللذين كانا يستمعان أيضا إلى أم كلثوم وسلامة حجازى من خلال أسطوانات الجرامافون. تعوّد أن تهدهد حياته الموسيقى، وحين تسكت هذه الأخيرة من حوله يشعر بالموت.
لم يكن يتخيل أنه سيأتى يوم ويصير هذا الصوت المرح الفرح الذى يدعو دائما إلى التفاؤل على المعاش أو «دقة قديمة». يلتقط الهارمونيكا ويعزف قليلا ليفرغ قليلا من توتره. لا يعرف إذا ما كان قرار ظهوره مجددا على الشاشة هو فكرة صائبة. تردد فى القبول، لكنه كان مشتاقا إلى أجواء الاستوديوهات. كعادته انكب على الموسيقى لكى يهرب، وركز جل تفكيره على تنظيم النفس وأخذ ينفخ برفق.
التعليقات