الفساد المصرى توغل منذ القدم - سمير كرم - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 6:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفساد المصرى توغل منذ القدم

نشر فى : الجمعة 5 سبتمبر 2014 - 7:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 سبتمبر 2014 - 11:11 ص

الفساد هو أقدم وباء اجتماعى فى التاريخ. ومصر هى أقدم دولة عرفت الفساد كما أنها أقدم دولة حاربت الفساد.

حاول كتاب ومفكرون كثيرون منذ القدم ولا يزالون يحاولون حتى الآن ربط الفساد بالثراء أو بالفقر. ذهب بعضهم إلى أن الفساد يستطيع أن ينتج عن الثراء، وذهب بعضهم الآخر إلى أنه يمكن أن ينتج عن الفقر، كما ذهب بعضهم إلى أن الفساد ظاهرة فردية بحتة، وذهب بعض آخر إلى أن الفساد ظاهرة جماعية أو حتى اجتماعية.

ولقد تبين أن صعوبة الفساد فى مصر ترجع إلى أنه ظاهرة ــ أو مرض ــ قديم قدم التاريخ. ولابد من الاعتراف بهذا كبداية لمكافحة الفساد فى بلدنا. ولابد من الاعتراف بأن الفساد كان سياسة رسمية فى مصر فى عهود عديدة. فى مصر القديمة الفرعونية. وقد حاولت مصر محاربته لأنه استبد باسر ملكية فى عهود مختلفة. هذا ما تؤكده كتب التاريخ الفرعونية وحتى الأوروبية الحديثة. وعاد الفساد فاستبد ببلادنا فى عهود لاحقة عندما وقعت مصر تحت حكم أجنبى ــ اليونانى وبعده المملوكى وبعده الاستعمارى الغربى ــ وبقى الفساد مستبدا فى وقت حكم فيه الأتراك مصر. وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 قامت على أساس محاربة الفساد أكثر مما قامت على محاربة النظام الملكى. وكانت محاربة الثورة للفساد هى سبيلها المعلن إلى تغيير نظام الحكم.

•••

على الرغم من الفساد استطاعت مصر أن تبنى مجتمعا يتطلع إلى البراءة الأخلاقية كمصدر للقوة والمقدرة. ولكن مصر لم تلبث أن استسلمت للفساد واعتبرته ضرورة لا مفر منها حتى إن مصر وصلت إلى حالة يمكن فيها اعتبار الفساد مصدرا لا مفر منه ولا مفر من الاعتراف به ولو بصورة خفية ودون اعتراف حقيقى. وبدا أن مصر تقبلت الفساد ــ ولو خفية ــ باعتباره ضرورة لا مفر منها. باعتباره جزءا من الواقع الحاضر. وساعد على ذلك تسرب المعلومات عن انتشار الفساد فى أوروبا وفى أمريكا، حيث أكثر دول العالم تقدما، وفى الوقت نفسه أكثرها ازدهارا. فساد المجتمع الأمريكى ــ على سبيل المثال ــ لم يحل دون تقدمه. إنه يعد ــ من جانبنا ومن جانب فئات متسعة من الأمريكيين ــ أصبح يعتبر جزءا من تكوينه بل يبدو لكثيرين منا إنه ضرورة لا مفر منها. هذا على الرغم من أن أفرادا يعاقبون، وتعلن عقوباتهم بتهم الفساد بين حين وآخر فى المجتمع الأمريكى نفسه.

ولقد جاء وقت اتهمت فيه الشيوعية وهى فى الحكم الرأسمالية بأنها أساس الفساد، وأن زواله ضرورى إذا كان للمجتمع البشرى أن يبرأ من الفساد. كما جاء وقت اتهمت فيه الرأسمالية ــ ومن المؤكد أنها فى الحكم ــ الشيوعية أو الاشتراكية بأنها أساس الفساد، وأنه لابد من التخلص من الرأسمالية قبل أن يكون بالامكان محاربة الفساد والتخلص منه. ويمكننا ان نؤكد ان اى نظام ثورى ينهض فى أى مجتمع لابد أن يرفع شعار محاربة الفساد إذا ما أراد أن يكسب تأييد الغالبية الساحقة فى هذا المجتمع بصرف النظر عن الأهداف الثورية الأخرى، التى ينادى بها كأهداف لهذه الثورة. مع ذلك لا يمكن الجزم اليوم بأن علاقة الفساد بالفقر قد أصبحت واضحة ومؤكدة، وأنه لابد من محاربة الفساد للقضاء على الفقر. كما لابد من محاربة الفقر للقضاء على الفساد. لا تزال العلاقة بين هذين المرضين الاجتماعيين الخطيرين غير واضحة بل غير مؤكدة بانتظار نظرية أقوى منطقا وأكثر إقناعا.

ولقد تبنى الرئيس عبدالفتاح السيسى هذه النظرية وصاغها بوضوح وقوة فى الخطاب الذى القاه يوم الخميس 28 أغسطس الماضى، فى لقائه أعضاء «اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد»، حيث قال: «إن مكافحة الفقر تشكل خطوة ضرورية لمكافحة الفساد». هكذا يكون الرئيس السيسى قد تبنى نظرية قوية المنطق وقوية التأثير فى ضرورة أن تتبنى مصر عقيدة تذهب إلى أن الدولة هى التى يتعين عليها أن تتصدى بقوة للفساد». وبطبيعة الحال فإن المقصود هنا هو الفساد فى مصر. وليس هناك من لا يعرف ــ أيا كان موقفه من الفساد ــ أن مصر تعانى مشكلة فساد مستحكمة منذ نحو خمسين عاما. فساد يرتبط بالنظام الاقتصادى ويرتبط أيضا ــ وبالتالى ــ بالفقر. ولعل أخطر ظواهر الفساد فى مصر إنه اكتسب مع صعود الفقر صفة «شرعية» تكاد لا تدين الفقير الفاسد، وتدين الغنى الفاسد إذا كان تعامله مع فساد داخلى، وتبرئه من الفساد إذا كان تعامله مع فساد خارجى.

•••

إن الأمر الذى ينبغى التأكد منه من الآن ونحن بصدد التصدى لمشكلة الفساد فى مصر هو أن الفساد الذى عاش فى مصر طويلا أثبت قدرته على مواصلة العيش فيها ومقاومة كل أشكال وجوده المعترف بها وغير المعترف بها. وبالتالى فإن التخلص منه سيكون عملا بالغ الصعوبة حتى مع الاعتراف بأن الرئيس والحكومة والغالبية فى مصر تقف ضده وتملك نية التخلص منه.

إنها معركة طويلة الأجل. لا أود أن أقول إنها يمكن أن تتجاوز فترة أو فترتى الرئاسة الحالية. إنها معركة صعبة، ربما أصعب من معارك أخرى داخلية وخارجية. ولكن من المؤكد انها معركة تتوفر فيها إرادة الشعب المصرى وقدراته على مواجهة كل من يعادون عزيمته على السير فى الطريق القويم.

وحين نقول إن مقاومة الفساد عملية صعبة لا نعنى أنها مستحيلة. لقد عانى المصريون ما يكفى من الفساد.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات