إبراهيم عبدالمجيد.. واستراحاته المعرفية والإنسانية - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إبراهيم عبدالمجيد.. واستراحاته المعرفية والإنسانية

نشر فى : السبت 5 فبراير 2022 - 8:15 م | آخر تحديث : السبت 5 فبراير 2022 - 8:15 م

«استراحة بين الكتب ــ كل هذا الحضور كل هذا الغياب»؛ هو عنوان الكتاب الجديد للأديب الكبير والروائى القدير إبراهيم عبدالمجيد (صادر عن منشورات إبييدى، لندن) وضمَ عددا وافرا من مقالاته الثرية التى نشرها خلال عامى الكورونا، وما قبلها بقليل.
هذا الكتاب، كما يصفه صاحبه برهافة وشجن، رحلة بين حياتنا المحاصرة بأشياء كثيرة، والتى وفدت عليها الكورونا أيضا لتزيد الطين بلة، وكيف اختلفت المشاعر الإنسانية تحت قيود الإغلاق والخوف والمرض، ورحلة بين فنانين ومبدعين وكتاب ملئوا حياتنا بالبهجة، ورحلة مع قضايا الأدب والثورة والسلطات فى التاريخ والناس، ثم مع فن الرواية كرافد عظيم للإبداع.
إنها رحلات يقدم فيها الكاتب الكبير خلاصة عمره، مما رأى وقرأ وعرف وأنجز وتعلم، وبينها استراحات مع كتب ملهمة قرأها واستمتع بها، وبها مرَّت الليالى، وانفتحت على نهارات الأمل. إنها رحلة طال فيها العمر «الذى وقفتُ فيه على أرض ليست كالأرض، لكن لم ينزل بصرى يوما عن أمل فى السماء»، كما يقول الكاتب الكبير.

يقول صاحب «عتبات البهجة» فى مقدمة كتابه:
«هذه مقالات عن الحياة والفن والأدب، وعن فنانين وأدباء ومفكرين. نشرتها بين عامى (2017ــ2021).. ليست كلَ ما نشرت، لكنى اخترتُ هنا ما يفتح النوافذ إلى السماء، أو ما أتصور أنه يفعل ذلك. انشغالى بكتابة الرواية لم يفصلنى عن المشاركة بالرأى فيما حولى قط، أو حتى بالعمل حين كان هناك صحة وعمر متسع.. حاولت أن أجمع ما يقترب من بعضه منها، واحتفظت بالباقى ليومٍ آخر. لم أكتب تواريخ كل المقالات، أكثر المقالات تأملات فى قضايا عامة فى الأدب والفكر والفن والحياة، وهذا هو ما يهمنى؛ لذلك قسمتها بين الموضوعات. أو عن شخصيات أبدعت فى كل هذه المجالات، فلا حاجة لأن أكتب تاريخ نشرها.
كذلك لم أحتفظ بتاريخ المقالات التى هى عن كتبٍ قرأتها، فالأصل ليس ما أكتبه لكنه الكتاب، وهو موجود. فقط تركت تاريخ ما اتصل بأحداثٍ محددة بصرف النظر عن ترتيب المقالات زمنيا لكن فقط لأذكرك بالحدث والمناسبة، أو ما اتصل برثاء للأحباء فى نفس شهر الوفاة أو بعده بشهر.
أما الأحباء الذين طال على وفاتهم الزمن، فلم أكتب تاريخ النشر فذكراهم تهل فى أى زمان، وكذلك ما كتبته عن الأحياء من الأحباء، تركته بلا تاريخ للنشر لأنهم يملئون فضاء الحياة».
إذن، بقلمه الأنيق الجميل، وأسلوبه الذى يصل إلى قلوب قرائه من السطر الأول؛ يمتعنا الكاتب والروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد فى كتابه الجديد بهذه «الاستراحات» مع كتبٍ وشخصيات وأحداث وذكريات يتناولها بعين الرائى البصير؛ الذى يتجاوز سطحية المشهد إلى النفاذ للعمق ومباشرة. جولات قرائية ممتعة بين بساتين ورياض أدبية وتاريخية وسياسية..
يأخدنا صاحب «شهد القلعة» من كتابٍ إلى آخر، ومن شخصية إلى غيرها، دون أن يفقد هو أو يفقدنا ــ نحن ــ شغفنا المتجدد بالمتابعة والمتعة والاستغراق فى القراءة، والرغبة فى المزيد؛ يتنقل صاحب «ثلاثية الإسكندرية» بين الكتب والبشر والموضوعات، يقرؤها نصوصا يفك شفراتها ويحللها إلى أفكارها الأولى، وكما تتنقل النحلة النهمة بين الأزهار والرياحين تمتص الرحيق وتسيغه عسلا هانئا للشاربين..
إبراهيم عبدالمجيد منذ بداياته وهو أديب وكاتب له رؤية كلية تقوم على موسوعية الثقافة والإبحار، شرقا وغربا، فى كل فنون المعرفة، ولهذا نجد أصداء هذه الموسوعية (وهى سمة لافتة وخصيصة أصيلة من سمات وخصائص إبراهيم عبدالمجيد فى حضوره الشخصى، وكتابته على السواء) تظهر وتعبر عن نفسها فى هذا الكتاب.
بموسوعيته تلك المثيرة للإعجاب، ودأب المتابعة شرقا وغربا، نقرأ معه كتبا فى الأدب والنقد والتاريخ والفنون، ويتوقف وقفات متأنية أمام بعض ما أخرجته المكتبة المعاصرة من كتب ودراسات عن ثورة 1919 التى تزامن صدورها أو إعادة نشرها فى سنة الاحتفال بمئوية الثورة الشعبية المجيدة (2019)، وعن آثارها ونتائجها خاصة فى السياسة والثقافة والفنون والآداب. ولا تمر أزمة الكورونا التى ما زالت تخيم بظلالها الثقيلة علينا، مرورَ الكرام فستكون هذه الجائحة وسيلة ومدعاة لتأملاتٍ نافذة غاية فى العمق والرهافة، وإنتاج أفكار رائعة حول العالم الذى كان والعالم الذى سيكون!
أما استراحات البشر، فمن سعاد حسنى إلى أم كلثوم، ومن يوسف شاهين إلى داود عبدالسيد، ومن إدريس على إلى مكاوى سعيد؛ يقرأ إبراهيم عبدالمجيد البشر وحكاياهم، وذكرياته معهم وعنهم، كما يقرأ النصوص الممتعة والروايات المعجبة!
من أجمل وأمتع أبواب الكتاب ذلك الذى خصصه لفن الرواية «عنها وعنَا»، فيكتب لماذا يحب القراء هذه الروايات وإبراهيم عبدالمجيد فضلا على كونه مبدعا «مجيدا» فهو ينطوى على ناقد «مكين» أيضا، يمتلك ذائقة فريدة وحساسية رهيفة تجاه النصوص وتجاه تحليلها وفى الوقت ذاته يمتلك قدرة تنظيرية وتجريدية عالية المقام وكلنا يذكر كتابه الذى لم أقرأ مثله فى الثقافة العربية فى السنوات الأخيرة «ما وراء الكتابة ــ تجربتى مع الإبداع» الذى صدر فى طبعات عدة منذ ظهوره فى 2014. فكأنه يستدرك بعض ما فاته فى «ما وراء الكتابة» هنا فى استراحاته النصية؛ فيتحدث عن أوجاع الكتابة؛ ومطاردة المبدعين، وكيف يعبر الأدب الحدود ويتخطى المسافات.
ما أجمل أن يصطحبنا مرشد إبداعى وفنى فذ فى ربوع الآداب والفنون تحت مظلة «ما أجمل الكتابة.. وما أروع الكلمة»!