التعيين غير مقبول والاستفتاء غير معقول - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 4:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعيين غير مقبول والاستفتاء غير معقول

نشر فى : الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

-1-

نضج الفكر السياسى حينما أسس «قصر الحكم» على خمسة أعمدة ذهبية، هى: الإنسان/ التعددية/ الدولة/ الديمقراطية/ الدستور، يحيطها أحجار كريمة هى (المواطنة/ الحوار/ التعاقد/ الإعمار / التجديد).

واشترط الحكماء خمس قدرات كمؤهلات أساسية لسكنى هذا القصر، وهى:

(المصارحة/ المصالحة/ التوافق/ الشفافية/ الانتخاب)

وهكذا «فالاستقرار والتحضر» مشروط باجتماع المواطنين «لانتخاب وكلائهم المفوضين» فى إعداد الدستور بشقيه «العقد الاجتماعى والعقد السياسى».. وكلما ازداد عدد الوكلاء وتنوعت تخصصاتهم، كان الدستور غنيا قويا مقنعا لمواطنيه.

أما «تعيين اللجنة التأسيسية» بقرار سلطوى فهو السبب الأول لرفض الدستور ومناهضته، ويكفينا ما عايشناه من «مجرد المغالبة والتعنت» الذين أطاحا الدستور رغم انتخاب جمعيته، فكيف إذا صنع الدستور لجنة معينة من سلطة مؤقتة؟!

لذلك فلا مفر من انتخاب تأسيسية الدستور انتخابا مباشرا تتسع قاعدته لتشمل أنحاء البلاد بداية من مستوى المحليات وحتى قمة الهرم، حيث ينتخب الشعب فى كل (قرية/ حى) 25 عضوا ثم تتصاعد المستويات التالية بانتخابات تصعيدية لا غير.

-2-

ونموذج «المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية» لمناقشة «ميثاق» 1962 «بهيكله الهرمى» هو أفضل الطرق لإنشاء الجمعية التأسيسية التى نحتاج إليها، حيث استمرار اللجان المنتخبة من القواعد حتى القمة تتفاعل جميعها إرسالا واستقبالا طوال مدة إعداد الدستور، مما يجعل أفكار الدستور وأحكامه محورا لاهتمام المجتمع كله، فرغم أن الشعب قد خرج للانتخاب مرة واحدة فإنه أفرز جمعيات محلية على مستوى (القرى/ الأحياء)، يليها فرعيات على مستوى (المراكز/المدن)، يتممها جمعيات إقليمية على مستوى (المحافظات) ثم يتوجها جمعية تأسيسية عامة على مستوى القمة (الجمهورية)، ويجاور تلك القمة رافدان استشاريان، أحدهما خبراء المؤسسات السيادية والقومية، والآخر من أساتذة الدستور للصياغة.

هكذا يشارك فى الدستور قرابة 50 ألف مواطن دون زحام ولا ضوضاء. كل فرد منهم قائم بين أهله وذويه من ناحية، وبين زملائه وأصدقائه من ناحية، فإذا كل مواطن يرى نفسه فى الدستور، ويوقن أن الدستور هو «عقد ملكية» المواطنين لوطنهم، وأن لكل مواطن سهما فى هذا الوطن لا يستولى عليه غير صاحبه، وأن الأسهم متساوية القيمة والنفع.

-3-

فإذا استثمر الإعلام تلك الفرصة المنشودة فسوف يؤدى وظيفته التنويرية فى أكثر من دور وبأكثر من وسيلة، من خلال نوافذه، حيث يستضيف الحكماء والخبراء، وكذلك من خلال متابعة مناقشات جميع اللجان ينقل الآراء والتصورات للجماهير، وكذلك من خلال التصويت المبدئى والمرحلى فى اللجان على المواد والفصول والأبواب يصنع ثقافة دستورية، وفوق ذلك فإن الإعلام سيكشف للمجتمع رموزا جديدة وقادة رأى يصنعون المستقبل.

-4-

وإلحاحنا على ضرورة الاتساع والانتخاب يرجع إلى طبيعة الدستور الذى يضم حوالى 200 مادة، فهل من المنطق أن يستفتى المواطن «بكلمة واحدة» على هذا العدد الضخم من المواد والأحكام، كما أنه ليس من المنطق دعوة المواطنين للاستفتاء على كل مادة أو كل باب من الدستور، لذا فالشكل الهرمى باتساع قاعدته وارتفاع قمته أفضل تعبير عن الرأى العام، كما أن التصويت الجزئى والمرحلى فى اللجان على المواد والأبواب يعين كثيرا فى تحقيق توافق بين القوى السياسية بعضها وبعض.

-5-

أما الاستفتاء ــ بصفة عامة ــ كأداة من أدوات الديمقراطية، فإنه لا يسمن ولا يغنى من جوع.

نظرا لتخيير بين «قبول الكل» أو «رفض الكل» مما يوحى باجتماع «العصا والجزرة» معا.

وأخطر من ذلك ما يحد من تعقيد إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بـ«لا»، حيث لا مخرج من تلك الأزمة إلا باستفتاء جديد لا قيمة له مثل سابقه أو إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية من جديد بما يشكله من صعوبة ومشقة.

لذلك فإن الأقرب إلى الصواب أن تنتهى الجمعية التأسيسية بإنجاز مسودتين اثنتين للدستور وليس واحدة على أن تمث كل واحدة منهما أبرز الإتجاهين السائدين فى الجمعية.

أما تذكرة الاستفتاء فتضم ثلاثة خانات للتصويت: الأولى لمسودة (1)، والثانية للمسودة (2) أما الخانة الأخيرة فهى لبيان صوت من رفض المسودتين.. هكذا يكون الاستفتاء عمليا ومجديا وأكثر تعبيرا عن حقيقة الإرادة الشعبية.

فهل إلى هذا من سبيل؟

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات