الرأسمالية حين تحرق! - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرأسمالية حين تحرق!

نشر فى : الجمعة 4 أغسطس 2023 - 8:15 م | آخر تحديث : الجمعة 4 أغسطس 2023 - 8:15 م
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتبة سوسن الأبطح، تقول فيه إن للرأسمالية والحرية الاقتصادية يدا فى التغييرات المناخية التى نشهدها الآن، إذ تزامن الارتفاع فى درجات الحرارة مع ظهور الليبرالية الجديدة. لذا ترى الكاتبة لابد من التخلى قليلا عن الاستهلاك المفرط والحرية الفردية فى الدول الاقتصادية الكبرى الديمقراطية من أجل سلامة وأمن الكوكب... نعرض من المقال ما يلى:
لا يزال قادة العالم بغالبيتهم يعتقدون أن بمقدورهم محاربة التغير المناخى بأسلحة مزورة، مع أنها كارثة بحجم حرب كونية، وأدواتهم الهزيلة لا تسعف سوى فى تضييع الوقت، ولن تؤدى بالتأكيد إلى كسب معركة.
من سوء حظ الجميع، أن الدول الأكثر إضرارا بالكوكب ديمقراطية ورأسمالية، باستثناء الصين التى لوحظ أنها رغم اعتمادها بشكل كبير على الفحم الحجرى تنجح بخطى حثيثة فى خفض انبعاثاتها، ولو اضطرت أحيانا إلى قطع التيار الكهربائى عن مواطنيها. وهو ما لا تستطيعه دولة ديمقراطية مثل أمريكا، هى الثانية فى المسئولية بعد الصين فى التسبب بالانبعاثات التى تتحول جهنم تحرق وفيضانات تغرق وتصحر وجفاف قاتلين.
الصين نفسها تعانى بشدة من تلوث الهواء، ونضوب المياه الجوفية، وتلوث خمس تربتها، وأن تخصص أكثر من واحد فى المائة من ميزانيتها الضخمة أصلا، هو أقل ما تستطيع فعله لحماية سكانها، والتحدى الأكبر هو أن تحافظ على تصنيع وإنتاجية عاليين وتخفض انبعاثاتها، فى وقت واحد. ومع أنها لا تزال متأخرة، إلا أنها تمكنت من أن تصبح البلد الأكثر إنتاجا للطاقة النظيفة فى العالم، ومن بين الأكثر تصديرا لمعداتها من بطاريات وألواح شمسية، هذا عدا الهكتارات التى زرعتها شجرا وخضرة.
يبقى أن الغرب يلوث والدول الفقيرة تكتوى بنيران القيظ، دون أن يتمكن من كبح الاستهلاك، خاصة أنه يعانى أقسى الأزمات الاقتصادية، بعد الوباء وحرب أوكرانيا ولا تملك الدول الديمقراطية ترف الرئيس الصينى تشى جين بينج أن تأمر مواطنيها فتطاع. وجل ما تستطيعه هو بعض الإجراءات المقبولة، والتركيز على تعزيز حساسية الفرد، ليأخذ المبادرة بنفسه، فيركب دراجة بدلا من السيارة، ويستبدل كيس النايلون بالقماش، لكن هذا لا يشفى الكوكب.
لم يملك الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أكثر من إطفاء برج إيفل وواجهات المحال التجارية لتوفير الطاقة، أما البيوت فمحال أن يضع شرطيا عند كل مكيف ليلزم مواطنيه بضبط أجهزتهم عند 19درجة مئوية.
الاستغناء عن الوفرة بعد ازدهار، وعن الحرية الفردية، والاستهلاك المفرط، وتغيير نمط العيش فى الدول الغربية الملوثة التى تتسبب فى خنق البشر، وحرمانهم من أكسجينهم، لن يتم بين ليلة وضحايا، مع أن الوقت لم يعد يتسع لرخاء المدللين. فالعالم يتكلف سنويا عدا الأرواح التى تزهق والأمراض التى تتفشى، ما يقترب من تريليونى دولار سنويا؛ ليتمكن من التكيف مع التغيرات. ثمة معدات تسحب أو يتم تعديلها، مثل أنواع من السيارات والطائرات والأجهزة الإلكترونية، قبل انتهاء فترة خدمتها، وهذا مكلف ويحتاج إلى تصنيع، وبالتالى المزيد من التلويث البيئى. أى إننا ندور أحيانا فى حلقة مفرغة، بينما يحذر العلماء من أن الاحتباس الحرارى سيستمر أقله حتى 2050، حتى لو انخفضت الانبعاثات، ببطء فى السنوات المقبلة. فموجات الحرارة، والجفاف، والأمطار الغزيرة، والفيضانات، ستصبح مزمنة وجزءا من يومياتنا.
صحيح أن الفرق بين متوسط درجة حرارة الأرض اليوم، وما كانت عليه فى العصور الجليدية هو 5 درجات مئوية تقريبا، لكن درجة واحدة أو درجتين كافيتان لإحداث الخلل المروع، فتحترق الغابات وتجف المزروعات وتفيض البحار والأنهار.
كتبت صحيفة «لو تان» السويسرية: إنها «ليست مصادفة أن يتزامن الارتفاع الجامح فى درجات الحرارة وظهور أحدث صورة رمزية للاقتصاد الرأسمالى، وهى الليبرالية الجديدة. منذ نهاية القرن التاسع عشر، ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية بما لا يقل عن درجة مئوية حتى عام 1975»، ويكمل المقال: «هل ينبغى أن نستنتج أن أزمة المناخ لا يمكن حلها فى إطار الرأسمالية، وأن البديل الاقتصادى سيكون أكثر فاعلية أو حتى التخلى عن النمو؟». ويأمل الناشط الآيرلندى الاشتراكى جون مولينو بثورة وتعبئة ضد ما أسماه «نظام الإبادة البيئية».
والناشطون لا يخشون وحدهم اللامبالاة الغربية فى مواجهة الفناء. باسكال لامى، الذى كان المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، رمز العولمة التى تحمل اليوم بجشعها الاستهلاكى مسئولية استنفاد المصادر الطبيعية، يحث على الإسراع فى إيجاد حلول جذرية قبل فوات الأوان. فبعد أن ظنت أوروبا أن ما تبثه من سموم يذهب إلى أمكنة بعيدة، ها هى مناطقها الجنوبية تتحول إلى لهب، وحتى سويسرا تتزايد فيها حالات الجفاف وموجات الحرارة والأمطار الغزيرة، وبدأت تتحضر جديا لحرائق كبيرة فى غاباتها الخلابة.
صندوق النقد الدولى ليس هيئة اشتراكية، لكنه يحذر من أن 60 فى المائة من سكان العالم باتوا يعيشون فى بلدان معرضة لعواقب تغير المناخ، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع إلى 75 فى المائة بحلول نهاية القرن الحالى. وإذ تبدو الإنذارات فضفاضة، فما يحدث على الأرض يؤكد أن الوقائع أكبر من التحذيرات والشر يتعاظم، ونصيب الفرد من الإنتاج ينخفض بسبب الكوارث، كما أن الخشية من الاضطرابات السياسية تصبح احتماليتها أكبر حتى فى الدول المستقرة، حين تحل الكوارث الطبيعية الكبرى، وتعجز الحكومات عن معالجة نتائجها المتراكمة، بالفاعلية الكافية.
هل تدق كارثة التغير المناخى إسفينا جديدا فى سفينة الليبرالية وعولمتها ويصبح فرض الحلول من عل، على حساب الحريات، هو الحل الوحيد الممكن؟ هذا ما يتساءل عنه كثيرون. وهو لا يأتى من فراغ. فعلى مدى أكثر من عشرين عاما، نشر الباحثون فى جامعة ييل مؤشر الأداء البيئى الذى يصنف 178 بلدا، تبعا للحرية الاقتصادية فيها، ليتبين أنه كلما طغت الرأسمالية، وزادت الحرية الاقتصادية ارتفع مؤشر التلوث.
وهذا ما يستدعى إعادة النظر فى الأنظمة الاقتصادية ككل، وليس الاكتفاء ببعض الحملات الخضراء الفولكلورية والترقيعات الهشة.
التعليقات