الحرامى والعبيط - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرامى والعبيط

نشر فى : الثلاثاء 4 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 4 يونيو 2013 - 10:13 ص

منذ بداية الفيلم، مع المشاهد الأولى، يخطرنا خالد الصاوى، على نحو إيحائى، أنه ليس مجرد بلطجى أو حرامى. لكن أكبر وأهم من هذا وذاك، فهو، هنا، فى عالم القاع، السلطة المطلقة، صاحب اليد الطولى، أقرب لوزير الداخلية، يحمى المنطقة ويرعى شئونها، حسب ادعائه الذى ندرك مدى زيفه، طوال الفيلم، حيث يمارس، بلا ضمير أو تردد، أشد ألوان الوحشية والشراسة، بل لا يتوانى فى بيع أعضاء جسد أقرب المقربين له: حبيبته ناهد ــ بأداء روبى ــ بعد أن قام بالسطو على قرنية وكلية صديقه فتحى، الأهطل، الذى قام بدوره خالد صالح.

 

قصة «الحرامى والعبيط» قد تبدو بسيطة، من الممكن أن تحكى فى عدة سطور: الحرامى، المهيمن على منطقة عشوائية، يفقد إحدى عينيه فى معركة. خطيبته، الممرضة، تعمل فى عيادة، طبيبها يتولى نقل الأعضاء. الحرامى يقرر استدراج العبيط إلى التنازل عن عينه، وأن تتم سرقة كليته نظير مبلغ مالى كبير.

 

الحرامى يتعرف على عصابة، من النوع الحديث، تتاجر فى الأعضاء البشرية. يتفق معها على بيع جسد الحرامى، بالجملة، دفعة واحدة، وبعد اكتشافه لألاعيب خطيبته، يضع لها مخدرا فى العصير. يسلمها للعصابة كى تفككها. تنطلق رصاصة عن طريق الخطأ، أثناء عبث العبيط، تصيب الحرامى وترديه قتيلا..

 

لكن السيناريو الذى كتبه اللامع، صاحب «ساعة ونصف» و«كباريه» و«فرح»، أحمد عبدالله، كعادته، يتجاوز الحدوتة، بمغزاها الأخلاقى، ليوسع آفاق رؤيته، ويعبر عما هو أبعد من المكان، وأن تعبر شخصياته عن قطاعات أشمل، بل عن مجتمع قائم على ثنائية سادة متوحشين، ومواطنين مقهورين.

 

فحين يختفى فتحى ينشط الحرامى فى البحث عنه، ينتقل من مكان لآخر، وفى كل مرة، يجد شبيها له. رجل مهلهل، ملبسا ونفسا، بلا وعى أو إرادة أو كرامة، كأن الفيلم ينبهنا إلى أن المعتوه، الذى سيسلم قياده لمن لا يستحق الثقة، متوفر بسخاء، وهو شرط من شروط وجود البلطجى أو المتسيد، المستبد، صاحب السلطة المطلقة.. وفى مشهد آخر، أثناء احتفال الحرامى بالانتصار البشع على خطيبته، يترنح الرجل منتشيا، فوق قمة تطل على شوارع القاهرة، كأن البلطجى أصبح أمير المدينة.

 

لكن مشكلة الفيلم أن انفتاح رؤيته على دائرة أوسع، ظلت مكبلة بتلك الواقعية الخشنة، شكلا وموضوعا، الأمر الذى أثر سلبا على العمل، فنيا وفكريا. العبيط، أو الشرير، فتحى، الذى ينظف الحارة ولا ينظف نفسه، لا نكاد نرى وجهه المغطى بلحية كثيفة، فظيعة، متربة، أهدرت إمكانات الموهوب، خالد صالح، فى التعبير عن انفعالاته، بملامحه..

 

أضف إلى هذا، حكايته الهزيلة، التى يوردها الفيلم فى «فلاش باكات» متقطعة، نعلم منها أنه، فيما مضى، كان سليما، عاقلا، ثم اهتز نفسيا حين ضبط زوجته فى أحضان رجل، وطاش عقله إثر علقة موت من أقارب زوجته أو العشيق، وهى كلها، أسباب تلفيقية، كان الفيلم فى غنى عنها، بالإضافة إلى أنها تسطح دلالة هذه الشخصية، وتجعلها حالة فردية فى المحل الأول.. والأهم، أو الأخطر، تلك النهاية الطوباوية، الأقرب إلى الصدفة، التى تثأر من البلطجى، وتضع له ختاما داميا، بينما هو لا يزال يعيش بيننا.

 

محمد مصطفى، مخرج الفيلم، حقق نجاحا بتوزيعه الأدوار على ممثلين نموذجيين: روبى، تؤدى شخصية الممرضة ناهد، بتفهم ومهارة، فإلى جانب طلتها المصرية تماما، حافظت على تكوينها الداخلى كفتاة تعيش فى منتصف الأشياء. نصف زوجة للحرامى، نصف فاسدة، نصف خائنة، نصف مجرمة، تريد أن تبقى على قيد الحياة بأى ثمن، فيكون الموت هو الثمن.

 

إلى جانب الطبيب الذى يجرى عمليات نقل وسرقة الأعضاء البشرية، مجدى بدر، الأقرب فى حركته والتفاتاته إلى الثعبان، ثمة مقاول الأجسام البشرية، ضياء الميرغنى، الذى يستوحى، فى مشيته، بالضبع.. فضلا عن خال «ناهد»، سيد رجب، مدمن الحشيش، المتمتع بأداء طبيعى..

 

أما خالد الصاوى، واسمه فى الفيلم صلاح روستى، فإن لمعان ذكائه يتجلى حين يوحى للمتفرج، بنظرة عين، إلى أنه يعبر عما هو أبعد من كونه مجرد «حرامى»، ويصل مع خالد صالح، إلى تفاهم عميق، وهما يمسكان بيد بعضيهما، ليهتفا، بطريقة تنبه المتفرج إلى تآخيهما المستحيل «فتحى وصلاح عين واحدة»، وهو الهتاف المضلل الذى يذكرنا باجتماع الأضداد «كذا.. وكذا.. إيد واحدة». «الحرامى والعبيط»، ربما لا يحقق الطموح كاملا.. لكن، يستحق المناقشة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات