فى الزنزانة.. عالم رحب - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 6:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى الزنزانة.. عالم رحب

نشر فى : السبت 3 يوليه 2010 - 10:27 ص | آخر تحديث : السبت 3 يوليه 2010 - 10:27 ص

 أشعر بالحرج إذا اعترفت بسعادتى لأن صلاح عيسى جرى اعتقاله عدة مرات، لكن ماذا أفعل وهذا هو إحساسى فعلا، انتابنى بعد قراءة تلك الفصول الثرية، الممتعة، التى وردت فى «شخصيات لها العجب»، والتى تبين بجلاء أن الأيام المظلمة لها جانبها المشرق، وأن ليالى العزلة، والوحدة، من الممكن أن تكون مزدحمة بالتأملات، والذكريات، والآمال.. عند صلاح عيسى، يغدو المعتقل عالما شديد الاتساع، فاللحظة تتحول إلى تاريخ طويل، تستدعى أحداث الماضى، فتكتسب معانى جديدة، والشخصيات التى يلتقيها، خاصة ممن كان لهم سطوة ونفوذ فى الماضى، يراهم من منظور آخر، بعد ضياع السلطة والقوة، فيدرك أن قسوة المرء، وجبروته، مجرد قناع للضعف والخوف، فها هو «حمزة البسيونى»، قائد السجن الحربى المرعب، لسنوات طويلة، يصبح سجينا، يقوده فى ممرات المعتقل مخبر لا شأن له، لا يتردد عن زجره لأى سبب، وحينها يرد صاحب الصولجان السابق «بكلمات نفاق مبتذلة» وينفذ تعليمات المخبر بدقة.

صلاح عيسى لا يتشفى فيمن يشرب كأس المهانة الذى سقاه لآخرين، فقط يرصد ويتأمل، بدرجات متفاوتة من العطف والتسامح، تصل إلى ذروتها الإنسانية عندما تجمعه الزنزانة مع فرسان السياسة، والوطنية، فى الأيام الخوالى، ويتلمس، بأسلوبه المرهف الجميل، سمات فؤاد سراج الدين، الذى رأى فيه «رجلا ألوفا فى غير ترخص، متواضعا فى غير ضعة، وكبيرا بلا تكبر، يملك قدرة تؤهله لاكتساب مودة الآخرين، ولا يترك فرصة تمر بدون أن يجد أرضية مشتركة تجمع بينهم وبينه»، وطبعا، لا يفوت صلاح عيسى، المفتون بالتاريخ، أن يتعرض لمصطفى النحاس وثورة 19 وحريق القاهرة، فتبدو صفحاته وكأنها رحلة فى النفوس، وفى التاريخ، وفى العلاقات الإنسانية، فها هو، بمنتهى الرضا، يتولى تنظيف وتشميس بطانتى زملاء الزنزانة، كبار السن، فؤاد سراج الدين، ومحمد عبدالسلام الزيات.


من ثقب باب الزنزانة الانفرادية، فيما يشبه عين الكاميرا، ينظر صلاح عيسى ما يدور بالخارج، يستشف طبيعة شخصيات محاطة بضباب كثيف، فعندما يرى «شمس بدران» يصفه بأنه «أشبه بجنرال بروسى بقامته الطويلة وجسمه العملاق وملامحه الصارمة، فتشككت فيما قرأته عن أنه لم يكن يعرف شيئا فى العلوم العسكرية». وإذا كان صلاح عيسى، بأمانة، لم يسبر غور «شمس بدران»، فإنه تمكن من رصد دور المعتقل فى صنع الإرهابيين، فعلى العكس من الصورة الكاريكاتورية التى رسمتها الصحافة لـ«شكرى مصطفى»، والتى قدمته ككائن مختل عقليا، يتعقب الكاتب تلك التحولات التى أدت بذلك الشاب الغلبان ــ الذى وجد نفسه معذبا فى معتقل ــ إلى ما أصبح عليه.. بعد قراءة ما كتبه صلاح عيسى عن رفقته الممتعة فى معتقله الرحب، الذى ضم فيمن ضم: فتحى رضوان، محمد حسنين هيكل، عبدالفتاح حسن، أبوالعز الحريرى، يدرك المرء أن هؤلاء المعتقلين، أطول بقاء، وأنقى سيرة، من جلاديهم.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات