تراجيكوميديا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 9:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تراجيكوميديا

نشر فى : الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

فى عالم الدراما، معناها، امتزاج الضحك بالدموع، أو الحزن والألم مع الفكاهة والمرح، ومن المسرح، انتقل التعبير إلى بقية الفنون والآداب، بما فى ذلك المذكرات، خاصة حين يكون صاحبها، من فصيلة المغامر، الرحالة، السياسى، اللاعب بالنار، الجرىء، الانتهازى، يونس بحرى، المتمتع بعين لاقطة، لا يفوتها رصد المفارقات الكوميدية، وسط الأجواء المأساوية.

فى سجن أبوغريب، سيئ السمعة، وجد يونس نفسه وسط الذين حكموا العراق ردحا طويلا من الزمن، وبروحه الساخرة، يستعرض، باختصار بليغ، تصرف بعض فرسان الماضى، على نحو يبين جوهرهم، فها هو اللواء سامى فتاح، وزير الداخلية الأسبق، الذى لم يتعرض للضرب أو الإهانة، يبدو وجلا، مذعورا، ما ان يصل إلى الزنزانة حتى يتهاوى على الأرض.. أما الدكتور محمد حسن، وزير الصحة الأسبق، فكان كلما شتموه «يرفع يده بالتحية شاكرا والمسبحة فى يده، وهو يمشى بتؤدة وهدوء وكأنه يسير فى تشييع جنازة شخصية محترمة».. وربما تجسدت أكثر المواقف طرافة وسط الظروف القاسية، فيما قامت به سيدة تدعى «حياة النهر»، زوجة مأمور السجن، التى درجت على الحضور بعد منتصف الليل، لإفلاق المعتقلين. وفى إحدى الزيارات، حلا لها أن تأتى بثلاثة من النزلاء، وتأمرهم بالغناء، وفيما يبدو أن الأصوات لا تطربها، فتنهال عليهم ضربا بالخيزرانة الطويلة التى تمسكها.

صفحات طويلة من المذكرات مبللة بالدم، فعقب إعلان الإذاعة عن جائزة قدرها عشرة آلاف دينار لمن يقبض على نورى السعيد ــ الذى كان قد قتل وسحل ــ تحولت الجماهير إلى غوغاء بلا ضابط ولا رابط. اندفع الأهالى الفقراء، فى حالة من الهياج المجنون، بحثا عن الصيد الثمين.. ويومها، جرى التمثيل بعشرات الجثث، لمجرد أن يشير أحد نحو آخر قائلا، ها هو نورى السعيد، أو فاضل الجمالى، أو أى فرد من السلطة البائدة.. وها هو، رجل يخرج يده من شباك باص، ممسكا بكفه إصبعا مبتورا، مناديا بفخر: هذا أصبع عبدالإله.

من عشرات الزيجات، أنجب يونس بحرى أكثر من ستين ابنا وبنتا، بعضهم أخذ حياته مأخذ الجد، فأصبح من الشخصيات المرموقة، علما وأخلاقا، وشغل مناصب رفيعة فى السلك الجامعى والدبلوماسى، ولا شك ان الفضل فى هذا يرجع إلى أمهاتهم، الأمر الذى يؤكد جدارة المرأة العربية بالاحترام، بل بالتبجيل، خاصة بالنسبة لمن هجرها زوج لاه، فالت العيار، فتقوم هى بدورى الأم والأب.

فى سطور مغلفة بالأسى، يحكى يونس بحرى، عن ابنه «سعد» الذى كتب رسالة فاجعة للحاكم العسكرى العام، جاء فيها «أحتج على إطلاق سراح والدى، يونس بحرى.. فهذا الرجل كان جاسوسا لبريطانيا فى برلين، ثم لما انتقل إلى باريس صار جاسوسا للفرنسيين، إن والدى مزواج ومقامر وعربيد، وهو يستحق السجن إلى الأبد أو الموت».. يونس، يُرجع دوافع الابن إلى انه أصبح «شيوعيا»، لا أخلاق له.. وصاحب المذكرات لم يفكر لحظة فى دوره الغائب الذى أدى إلى كراهية الابن له.. إنها مذكرات مهمة، بشرط قراءتها، بتأنٍ وحذر.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات