فى مديح الشتائم - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 8:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى مديح الشتائم

نشر فى : الأحد 1 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 1 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

الكثير والكثير من أسوار وجدران القاهرة أصبحت تحمل بقعا كبيرة بيضاء أو سوداء، وهى آثار طمس الشتائم التى كتبها هذا الفريق أو ذاك بغرض لعن الطرف الآخر وتوبيخه، أحيانا بأقذع الكلمات. وقد تزايدت مؤخرا نسبة الشتائم المتداولة ودرجتها، ولاحظنا ذلك فى مسلسلات وبرامج رمضان على سبيل المثال. وكذا يعانى كتاب المقالات من التعليقات الجارحة التى ترد على مواقع الانترنت الخاصة بالصحف فيلجأ المسئولون عنها إلى شطب الألفاظ النابية.. والغريب فى الأمر أنها قد تأتى على ألسنة «المتدينين» أو أنصار الفصيل الاسلامى عموما، وهو ما يشكل تناقضا واضحا جديرا بالدراسة. ويسخر الناس فى أحاديثهم من أن الشتيمة صارت قدرا محتوما هذه الأيام، فسيسدد البعض سهامه نحوك لا محالة لأنك تختلف معه فى الرأى، وبالتالى أنت «مشتوم مشتوم»... لا ضرر ولا ضرار!! الشىء نفسه نلمسه فى برامج التليفزيون حيث لا حوار حقيقيا، لكن مجرد جدل وسفسطة ومماحكة يرغب كل طرف أن يثبت من خلالها أنه لا يوافق على رأى الآخر... تتكرر الحجج إلى ما لا نهاية، فيما يشبه المبارزات الكلامية فى أثينا القديمة، مجرد سجال لفظى له طقوسه المسرحية التى اقتبسناها من الموروث اليونانى، ولكن أضيف إليه حاليا بعض من التجاوز نظرا للظرف السياسى، خاصة عندما يصل المتحدث إلى السباب والتطاول بمنتهى التلقائية.

●●●

المجتمع المصرى فى حالة خصومة: أنت معى أو ضدى، ومن يتخذ موقع «البين ــ بين» موقفه صعب للغاية.. كأننا نمر بمرحلة «مراهقة» ديمقراطية، يحتاج كل منا خلالها إلى تأكيد ذاته ودعم شخصيته، تماما كالمراهقين الذين تعتريهم مشاعر متداخلة ومعقدة فيتجهون إلى الوقاحة فى التصرف والتهكم والألفاظ النابية للتعبير عن أنفسهم، فى إعلان للتمرد على السلطة والسائد. وكلما زاد المجتمع حركة ازدادت الشتائم بذاءة. وكلما ازداد الضغط الاجتماعى ازدادت الشتائم، لأنها رد فعل أو مردود نفسى للقهر، كما يؤكد الباحثون، إذ يحاول الفرد تمزيق السواتر الاجتماعية والثورة ضدها باستخدام الشتائم. الطريف فى الموضوع أن هذه الشتائم تبعث على الراحة، فهى تلعب دورا مهما فى تخفيف الضغوط النفسية والقلق ونوبات الغضب، كما يفسر تيموتى جاى مؤلف كتابى «الشتيمة فى أمريكا» و«لماذا نشتم؟» (Cursing in America and Why we curse، by Timothy Jay)، وإلا سيلجأ المرء إلى الاعتداء البدنى والعنف الجسدى. وهو ما نراه بوضوح بين المراهقين، عندما يشتم أحدهم زميله فى المدرسة أو أثناء اللعب، يفجر ذلك الاعتداء اللفظى شحنة الغضب داخله، ويجعله ربما يكتفى بذلك دون التشاجر بالأيدى. والمعنى هنا أنه لولا هذه الشتائم المنتشرة على جدران القاهرة لكان العنف أكبر، فنحن نشتم عوضا عن استخدام السلاح، ونتهكم ونطلق النكات والأغنيات «القبيحة» كى ننتقم بطريقة سلمية، ونمتد إلى الشرف والتلميح إلى الأعضاء الجنسية للفرد أو أفراد أسرته خاصة من النساء للثأر، وفقا لتعاليم المجتمع الذكورى الذى نعيش فيه.

●●●

وسط هذا العنف غير المسبوق الذى تشهده مصر ونكتشفه بداخلنا، كانت هذه مجرد محاولة للتأمل فى الملمح الايجابى لأى شىء يمر بنا حتى الشتائم، ربما تكون دليلا على أننا فى المسار الصحيح أو علامة على عدم الاستسلام والخضوع، فالطرف الآخر عاجز عن قمعك لذا يشتمك، وهو يشتمك كى لا يضربك أو يقتلك، فيكتفى بهذا القدر للنيل منك.

التعليقات