قبل أن يأتى الطوفان - محمد عصمت - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 12:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل أن يأتى الطوفان

نشر فى : الإثنين 1 أغسطس 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الإثنين 1 أغسطس 2016 - 10:00 م

بدون إصلاحات سياسية شاملة وعاجلة، تتضمن الإفراج عن الشباب المعتقلين، وإطلاق حق التظاهر والإضراب السلمى، واحترام سيادة القانون وحقوق وحريات الإنسان، وتفعيل مواد الدستور التى تنتهك السلطة روحه قبل نصوصه، بممارساتها ذات النزعة الشمولية، لن يكون هناك أى أمل حقيقى فى حل الأزمة الاقتصادية الراهنة، والتى تهدد ــ فى نظر الكثيرين ــ استقرار البلد كله!


هذه الإصلاحات السياسية الغائبة عن إدراك النظام واهتماماته، هى طوق النجاة الوحيد الذى يضمن من خلاله مشاركة كل القوى السياسية والجماهيرية فى اقتراح حلول جديدة لهذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة، تجعل الفقراء ومحدودى الدخل وأغلبية قطاعات الطبقة الوسطى يتحملون ــ بدوافع وطنية ــ موجات عاتية لأية ارتفاعات متوقعة فى الأسعار ومستويات التضخم، لأنهم سيشعرون أنهم يشاركون فى صنع هذه الحلول على أرضية ديمقراطية حقيقية، وأنها ستصب فى صالحهم فى النهاية، وأنهم سيضحون لعدة سنوات مقابل ضمان ارتفاع مستوى معيشتهم بعد ذلك، رغم أننى شخصيًا لا أتصور أن فلسفة النظم الاقتصادية يمكنها ــ بأى حال من الأحوال ــ أن تقلل معدلات الفقر التى يرزح تحته نحو 27 % من المصريين، وإن كان ــ للإنصاف ــ من الممكن أن تقلل من حدة الأزمة.


وحتى بمنطق اليمين المتطرف الذى يتبعه النظام فى الملف الاقتصادى، فإن الرهان على الإصلاحات السياسية يوفر استقرارًا مجتمعيًا، وينزع من الإرهابيين الكثير من مبررات وجودهم، بما يمكن الحكومة من استعادة حركة السياحة، ويشجع المستثمرين الأجانب على إقامة مشاريع ضخمة فى مصر، توفر فرص عمالة، وعملة صعبة، وتبعدنا عن أشباح المجاعة والإفلاس، وتغنينا عن اقتراض مليارات الدولارات، التى لا يعرف أحد ــ سوى وزراء الحكومة ــ كيف سنسددها!


قد يرى البعض أن توجهات نظامنا السياسى الراهن، عبارة عن خليط غير متجانس من شمولية عبدالناصر، وانفتاح السادات، وعناد مبارك، وهى تركيبة لا تسمح بتوقع إقدام النظام على إجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية، وهو أمر لم يعد سرًا على كل حال، فللرئيس السيسى نفسه تصريحات قديمة، بأن الأوضاع فى مصر لا تسمح بإقامة نظام ديمقراطى كما هو الحال فى دول أوروبا، وأن المصريين بحاجة إلى 25 عامًا لكى يتمكنوا من ممارسة الديمقراطية على النمط الغربى.


أزمة النظام الحقيقية تتمثل فى رغبته فى تبنى ليبرالية اقتصادية لأقصى مدى متاح، وشمولية سياسية لأقصى درجة ممكنة، فى تناقض صارخ مع المنطق، ومع الدستور، ومع كل القيم التى نادت بها ثورة 25 يناير، بل ومع أهداف النظام نفسه فى تحقيق الرخاء ورفع مستوى معيشة المصريين.
ما يثير القلق هو غياب أى حلول مؤسسية لهذه الأزمة، فقوى المعارضة مشتتة، ولا تملك برنامجًا عمليًا، ولا قواعد جماهيرية معتبرة تؤيدها، تضغط بها على النظام لتقديم تنازلات ديمقراطية، والبرلمان لا يمارس صلاحياته بالشكل الذى يرضى الناس، سواء فى فتح ملفات المعتقلين، والأوضاع فى السجون، وتوسيع المجال العام، وتفعيل مواد الدستور الخاصة بالحريات ونظام الحكم، أو مناقشة قضية تيران وصنافير، أو سد النهضة، ومواجهة الإرهاب والأفكار المتطرفة، وقبل ذلك كله كارثة الارتفاعات المستمرة فى الأسعار، التى تزيد من قسوة الحياة على ملايين المصريين.
فى مثل هذه الأوضاع التى تغلق فيها السلطة كل الأبواب السلمية للتغيير، سيكون اللجوء للعنف هو النهاية المنطقية لتصاعد الغضب المكتوم فى الصدور، وهو سيناريو لا أعتقد أن أحدًا عاقلًا، حتى من أشد المعارضين للنظام، يتمنى حدوثه فى مصر الآن.. ومع ذلك فإن كل السياسات الحكومية تدفعنا دفعًا إليه!

محمد عصمت كاتب صحفي