حان وقت إدراك الحقيقة.. لا ديمقراطية مع الاحتلال - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 9:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حان وقت إدراك الحقيقة.. لا ديمقراطية مع الاحتلال

نشر فى : الأربعاء 1 مارس 2023 - 8:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 1 مارس 2023 - 8:20 م

فى سنة 1988 كتب البرفسور يشعياهو ليبوفيتش، محرر الموسوعة العبرية وناقد للمجتمع الإسرائيلى: «إذا استمر الوضع الراهن، فإن البلطجة والإسفاف وسط الشعب والمجتمع فى إسرائيل يصبحان أمرا لا مفر منه». اليوم بعد مرور 35 عاما، وصلت البلطجة إلى ذروتها: التنمر يتفشى فى كل مكان والعنف يصل إلى ذروته حيال الشعب الفلسطينى، وبالمقارنة مع عدد القتلى الإسرائيليين نتيجة الهجمات «الإرهابية» منذ بداية العام هناك عشرات القتلى من الفلسطينيين الأبرياء، وعنف المستوطنين واعتداءاتهم على الفلسطينيين أصبحا من الأمور اليومية.
من جهة أُخرى، يصل التنمر السياسى إلى ذروته فى داخل إسرائيل، والائتلاف يسير بسرعة نحو «تحييد» الديمقراطية الإسرائيلية. ويظهر هذا التنمر فى صورة مقترحات تشريعية شخصية هدفها إعطاء الشرعية لمتهمين جنائيين من نواب الشعب وهم من أصحاب السوابق. هناك صلة مباشرة بين احتلال مستمر منذ عشرات السنوات وبين ما يجرى فى إسرائيل فى هذه الأيام، فالاحتلال عوّد الشعب الإسرائيلى على أن هناك جمهورا كبيرا ليس جديرا بالاستماع إليه أو أخذه فى الاعتبار أو المحافظة على حقوقه. ليس من المستغرب والحال هذه أن ترفض الحكومة فعلا الإصغاء إلى من ينتقد الانقلاب القضائى، وتتجاهل حقوقه. وكما فى العلاقة مع الشعب الفلسطينى، من السهل المطالبة باستخدام القوة ضد المتظاهرين، لأن من يعارض الانقلاب القضائى تحولوا بمعنى ما بالنسبة إليها إلى أعداء.
وكما قال البرفسور ليبوفيتش، الاحتلال تخطى الخط الأخضر ويتفشى فى المجتمع الإسرائيلى، أساليبه هناك تنتقل إلى هنا، والقمع ينتقل من هناك إلى هنا، وسيأتى يوم نصل فيه إلى الاستخفاف بحياة الإنسان هنا. لكن على الرغم من كل هذه الظلمة هناك بارقة أمل.
تشهد الجماهير الإسرائيلية كيف تتخلص الدولة من آخر الضوابط الديمقراطية، وهم يشعرون بأنها تريد أن تسلبهم حرية التعبير والتظاهر والحق فى محاكمة عادلة ووجود طرف يكبح السلطة. ويدرك الكثيرون منهم أن هذا لا يجرى فى فراغ، وأن الأساليب التى جرى تعلمها فى المناطق المحتلة لأكثر من خمسين عاما بدأت تُستخدم أيضا هنا ضدهم.
من المحتمل أن يكون قد بدأ تكوّن الإدراك حاليا بأنه لا يمكن وجود ديمقراطية فى الداخل وديكتاتورية حيال الخارج، ففى نهاية الأمر سيتغلب أحدهما على الآخر، فإمّا تنتصر الديمقراطية عندما تتوقف السيطرة على شعب آخر، وإمّا تنتصر الديكتاتورية عندما يتم استخدام الأدوات الديكتاتورية التى طبقت فى المناطق ضد المواطنين والمواطنات فى إسرائيل أيضا. حاليا، تمتد يد الدكتاتورية إلى عنق الديمقراطية فى إسرائيل، وكثير من المواطنين والمواطنات الذين اعتقدوا أن الفصل بين هنا وهناك كامل ومحكم، سيدركون أنهم هم أيضا يدفعون ثمن الاحتلال.
من المحتمل أن هذا الواقع سيدفع أخيرا ملايين الإسرائيليين إلى إدراك أن استمرار الاحتلال لا يكبّد فقط الشعب الفلسطينى ثمنا باهظا، بل الشعب الإسرائيلى أيضا؛ وأن السبيل إلى ترميم الديمقراطية الإسرائيلية لا يكون فقط بوقف أو تغيير إجراءات الحكومة الحالية، بل يجب أن يمر أيضا بإنهاء الاحتلال ووقف عملية البلطجة التى تنتقل إلى المجتمع الإسرائيلى.
فى هذه الأثناء يحاذر المتظاهرون والمتظاهرات إقامة هذا الربط ويتخوفون من الذين يحاولون الربط بين الخطر الحقيقى على الديمقراطية وبين احتلال المناطق، أو من رفع العلم الفلسطينى فى التظاهرات. ربما حان الوقت كى يعوا ويدركوا أن لا ديمقراطية مع الاحتلال. وعندما يحدث هذا يمكننا أن نعترف بأن «التاريخ» هو الذى دفع الأغلبية الصامتة كى تنتفض وتقف ضد الواقع الزاحف من المناطق إلى إسرائيل كى تتمكن الدولة الإسرائيلية من استعادة رؤيتها الأصلية.
دبلوماسى سابق ومستشار سابق لرئيس الدولة
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات