كواليس قصور الديموقراطيين وتخليهم عن "بايدن" ونائبته "هاريس" برغم إنجازاتهما المجتمعية في إدارة أزمة كورونا وبرامج التأهيل والإصلاح وتصديهما لـ "ترامب"
عبر كتابها الجديد بعنوان «مستقلة : نظرة داخل البيت الأبيض المنهار وخارج خطوط الحزب»، نقلت المتحدثة السابقة باسم الرئيس الأمريكي جو بايدن ، كارين جان-بيير ، خواطرها حول الحزب الديمقراطي والإدارة الأمريكية بشكل عام، وقد جاءت هذه الخواطر ، بحسب الكاتبة، متأخرة ومجردة من الطابع التحليلي الجاد، كما أنها قائمة في جوهرها على شعور شخصي بالمرارة أكثر من كونها تحليلًا موضوعيًا للسياسات والقرارات السياسية.
وأشارت "جان-بيير" في كتابها الجديد - الذي تربع على قائمة أمازون للمبيعات في فئة السياسة فور صدوره - إلى أنها شاهدت تخلي قيادة الديمقراطيين المخزية عن "بايدن"؛ الرجل الذي قاد الولايات المتحدة خلال جائحة كورونا وفترة صعبة من الاضطرابات السياسية التاريخية، مؤكدة على أن بعض قيادات الحزب قد تجرأوا على التشكيك فيما إذا كان يجب أن تكون نائبة الرئيس، كامالا هاريس ، خليفة "بايدن" من الأساس.
وأوضحت أن الدعوات لإجراء انتخابات أولية مفتوحة كانت، بحسب وصفها، "إهانة لهاريس" التي عينّها "بايدن" سلفًا نائبة له، دون الالتفات إلى السؤال الأهم حول ما إذا كان هذا التتويج المسبق للنائبة يمثل إهانة للناخبين الذين كان من حقهم المشاركة في اتخاذ القرار.
كما استعانت "جان-بيير" بأمثلة من الثقافة الشعبية الأمريكية، مثل المسرحية الشهيرة هاملتون، لتوضيح أفكارها حول القيادة والتمكين الذاتي، بدل التركيز على التحليل السياسي المباشر أو السياسات الفعلية، وهو ما يجعل الكتاب أقرب إلى أثر ثقافي مادي يمثل زمنًا محددًا، أكثر منه تحليلًا سياسيًا حديثًا.
وعلى عكس المتوقع، ظهرت علامات ضيق الأفق إلى حد ما في استعراض الكاتبة لأفكارها عبر صفحات الكتاب؛ فبالرغم من إعلانها عن انفصالها عن الحزب، فإن كتابها يعكس نفس التصورات القديمة التي نشأت فيها منذ صغرها، ويعكس قلة الفهم الحقيقي لأسباب انخفاض شعبية الحزب الديمقراطي في الشارع الأمريكي الذي آل في النهاية إلى خسارتهم الانتخابات أمام "ترامب"، نقلًا عن صحيفة "واشنطن بوست".
وركزت "جان-بيير" معظم نقدها على شعور شخصي بالمرارة؛ فهي ترى أن الديمقراطيين كانوا قاسين للغاية تجاه "بايدن"، المدير المثالي الذي عملت معه على حد وصفها، كما كانوا قاسين تجاهها شخصيًا، وتجاه "هاريس" التي لم تُمنح الفرصة العادلة للترشح دون جدال.
وقالت "جان-بيير" إنها مستاءة من الطريقة المضللة التي يدير بها الديمقراطيون أعمالهم، ولكنها لم تقدم في كتابها أي نقد موضوعي للسياسات الديمقراطية، ولم تتطرق إلى تقييم البرامج والخطط التي يقترحها الحزب أو إلى تحليل النتائج المترتبة على السياسات السابقة.
واعتمدت الكاتبة بصورة كبيرة على شعارات عامة وتحفيزية مثل "الابتكار في التفكير" ورفض "قيادة غير متصلة بالواقع"، بينما ظل اهتمامها الأساسي بالتصرف الأخلاقي والتهذيب الرمزي للحزب، وليس تقديم رؤية سياسية أو برامج انتخابية واضحة.
كما أشارت "جان-بيير" إلى أن "هاريس" كانت "الخليفة المنطقية" لبايدن وأن تجاوزها سيكون "عدم احترام للنساء من ذوي البشرة السمراء"، وبرغم دفاعها عن "هاريس"، لم تتناول المؤلفة سوى القليل عن إنجازاتها، مكتفية بالإشارة إلى برنامجها لإعادة تأهيل الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم صغيرة وغير عنيفة بعد خروجهم من السجن، وكذلك دورها في مساءلة محامي "ترامب" العام ، بيل بار ، خلال جلسات الكونجرس في 2019.
كما تناولت "جان-بيير" مسألة التمثيل العِرقي بوصفها معيارًا كافيًا لاستحقاق المناصب، مؤكدة أن ترشيح "هاريس" كان مستحقًا فقط بسبب هويتها كمرأة سمراء البشرة، وأن اختيار "بايدن" لنائبته كان تعبيرًا عن احترامه للنساء الملونات، كونها هي نفسها سمراء البشرة.
وفي الختام، نقول أن الكتاب كان يميل إلى الأسلوب "الآمن" والمحافظ سياسيًا، ويعكس ثقافة الانفصال الرمزي عن الحزب أكثر من كونه رؤية واضحة للاستقلالية السياسية أو الفاعلية الانتخابية، وقدمت "جان-بيير" عبره نصائح عامة للتفكير الفردي والعناية بالذات، لكنها افتقرت إلى تقديم استراتيجيات ملموسة لكيفية تأثير المستقلين في السياسة أو في تغيير مسار الحزب الديمقراطي.
ومن هذا المنطلق، فإن هذا الكتاب يشكل مثالًا على ما يجب تجنبه في الكتابة النقدية السياسية، فهو يعكس مزيجًا من المرارة الشخصية، وأسلوبًا تحفيزيًا شعوريًا، وضعف التحليل الواقعي للسياسات والحزب الديمقراطي، مما يجعل منه عملًا مثيرًا للجدل أكثر منه نقدًا سياسيًا مفيدًا يمكن الاعتماد عليه كمصدر تحليل موضوعي.