ثورة الكرات الثابتة ورميات التماس

الإثنين 29 ديسمبر 2025 - 5:40 م

** عندما هزم منتخب المجر نظيره الإنجليزى 3/6 فى ويمبلى 1953 وصفت هذه المباراة بأنها مباراة القرن، وسقطت كل الأساليب والأفكار القديمة فى كرة القدم. وكان منتخب المجر فى الخمسينيات من القرن الماضى أفضل الفرق فى الكوكب فى الفترة من 1950 إلى 1956، وتوج بذهبية دورة الألعاب الأولمبية عام 1952 لكنه منى بهزيمة واحدة، خلال 6 سنوات، وكانت نهائى كأس العالم 1954 الذى عرف بمعجزة برن حين خسر المنتخب المجرى أمام ألمانيا 3/2.

 


** لقد تطورت كرة القدم على مدى 160 سنة من تطور طرق التدريب، خطط اللعب، وطرق اللعب، وأفكار مدربين عباقرة، وكذلك تطورت اللعبة من خلال الانتصارات الكبيرة. ومنذ الموسم الماضى، بدأت ثورة فى كرة القدم فى أوروبا والبريميرليج، على أسلوب جوارديولا، أو الاستحواذ، وبدأت بعض الفرق تتعامل مع امتلاك مانشستر سيتى للكرة بخبرات وأفكار جديدة، مثل قطع الكرة، وشن الهجوم المضاد السريع، أو باستخدم الكرات الثابتة والضربات الركنية ورميات التماس الطويلة كأسلحة يمكن أن تصييب المرمى وتهز الشباك دون الاستحواذ القصير أو الاستحواذ الممل. والواقع أن فكرة الاستحواذ تقوم على امتلاك الكرة والمناورة بها والضغط على لاعبى المنافس، حتى لحظة الانقضاض والهجوم بجملة محددة تفاجئ الخصم إلا أن الخصوم تدربوا على المفاجآت، وتدربوا على مواجهة الاستحواذ بالكرات الثابتة التى تلحق الضرر بالفريق المنافس.
** يبدو أن الأساليب القديمة انتهت أو أوشكت على الانتهاء، والتى استمرت عقدين بعقل وفكر بيب جوارديولا، الذى أنعش الكرة الشاملة الهولندية وطور منها إلى أسلوب تيكى تاكا، تبادل الكرة وتمريرها وتبادل المراكز، ولا أحد متأكد تمامًا مما سيأتى، لكن ثورات كرة القدم التى وقعت فى أزمان لا يمكن أن تنسى بالطبع. وفى تقرير له بجريدة الجارديان البريطانية يقول الصحفى الشهير جوناثان ويلسون: «لمدة عقدين تقريبًا، قبل عالم كرة القدم «الجوارديولية». وكانت كرة القدم تدور حول الاستحواذ، والضغط، ولكن الأهم من ذلك كله، التمركز، والتحكم الدقيق بالمساحات. وكانت الملاعب التى تطورت بشكل كبير قد ساهمت فى نمو أسلوب الاستحواذ، فجعلت اللمسات الأولى أمرًا مفروغًا منه، ولم يكن على اللاعبين الذين يستلمون الكرة التركيز على السيطرة عليها، بل كان بإمكانهم بدلًا من ذلك تحليل خياراتهم مع تعدد خيارات التمرير، بتحركات الزملاء فى شتى أرجاء الملعب، إلى المساحات، وأصبحت اللعبة أشبه بلعبة الشطرنج بالكرة، حيث باتت الاستراتيجية هى الأساس أكثر من القوة البدنية.
** وتأكيدًا لذلك يقول جوناثان: «فى هذا السياق، يبرز نيكولاس جوفر، وأوستن ماكفى، وبرناردو كويفا، ومجموعة مدربى الكرات الثابتة الذين أحدثوا نقلة نوعية فى الدورى الإنجليزى هذا الموسم، فقد جاءت 21.8% من الأهداف من الركلات الركنية أو رميات التماس، مقارنة بـ13.9% فى الموسم الماضى».
** وهناك ظاهرة ساهمت فى نمو تأثير الكرات الثابتة، وهى استعداد الحكام بشكل أكبر للسماح بالتدخلات على حراس المرمى. فلم يعد أى احتكاك مع حارس المرمى مخالفة، ويمكن اعتبار أن التجاوز فاق المسموح به، فنحن نرى المدافعون يمسكون بأذرع مهاجميهم ويسحبونهم ويجذبونهم دون عقاب، باعتبار أن اللاعب المدافع يترك ذراع منافسه أو قميصه لحظة رمى الكرة أو ركلها.
** الطريف أن خبراء ومدربى كرة القدم يتسا ءلون: «كيف يمكن لكرة القدم أن تستمر إذا ما تحولت إلى مجرد سلسلة من الكرات الثابتة، وتجاهل جيل من الخبراء الذين يستخدمون «أجهزة الآيباد» ودفاتر الخطط تلك المرونة وهذا الابتكار والإبداع الفردى، التى تجعلها لعبة جذابة؟
** على مر السنين، أظهرت كرة القدم قدرة ملحوظة على تحقيق الاستقرار، والحفاظ على التوازن بين الهجوم والدفاع، وبين المهارة واللياقة البدنية، دون الحاجة إلى تعديل القوانين كما فعلت رياضات أخرى. لكن مجلس الاتحاد الدولى لكرة القدم، المسئول عن وضع قوانين اللعبة، يدرس إجبار الفرق على تنفيذ الكرات الثابتة فى غضون 30 ثانية من احتسابها. فلماذا يضطر الحكم إلى الانتظار وقتًا طويلًا، وهو يراقب اللاعب الأنسب لتنفيذ ركلة ثابتة، والذى قد يضطر إلى الركض لمسافة 50 ياردة لتنفيذها، فهذا يعطل اللعب، كما يعطله الرجوع إلى الفار، ولم تعد كرة القدم تتحمل هذا الإيقاع البطىء.
** نحن نعيش ثورة أخرى فى كرة القدم. ثورة بالأساليب القديمة والكرات الثابتة لتسجيل الأهداف، وهى ثورة على الاستحواذ والضغط والتحرك المستمر فى المساحات. ثورة بالعودة للقديم على حساب الجديد وهذا يشبه تحول الرسامون الذين انغمسوا فى التجريد إلى أقصى حد، لينتهى بهم المطاف بالعودة أكثرإلى المدرسة الواقعية.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة