ثمّة كواكب مؤهَّلة للحياةِ فيها.. ماذا بَعد؟

الأربعاء 29 أكتوبر 2025 - 7:53 م

حتّى اليوم، وعلى الرّغم من قوّة التلسكوبات الأرضيّة والفضائيّة، لم يتمكّن الفلكيّون من تصوير أى كوكبٍ خارجى بصورة مباشرة، نظرًا لبُعدِها وصغرِها النسبى وضعف سطوعها مهما كَبرت. شمسُنا مثلاً أكبر من كوكبنا الأرضى بمليون وثلاثمائة ألف مرّة، وهى أكبر من كوكب المُشترى العملاق بألف مرّة! كوكب نبتون العملاق مثلاً يَبعد عنّا قرابة 30 وحدة فلكيّة أو 4 ساعات ضوئيّة فقط، وتستحيل رؤيته إلّا عَبرَ تلسكوب عظيم القدرة، فكيف بالكواكب البعيدة سنوات ضوئيّة؟ ومن المعروف أنّ أقرب نجمٍ إلينا غَير الشمس يَبعد عنّا 4 سنوات ضوئيّة ونيّف!

 


إذن كيف نَكتشف تلك العوالِم الخارجيّة البعيدة؟ استشعار وجود تلك الكواكب يَعتمد على مُراقَبة سطوع النجوم المُضيفة وحركتها. فحين يتغيَّر سطوعُ النَّجم المرصود أو تَهتزّ حركتُه، فهذا يَعنى وجود كوكب ما يدور حوله. وتُتيح نسبةُ تغيُّر سطوع النَّجم ومدّته وتزامنيّته التعرُّف إلى بعض مواصفات الكوكب الضيف. كما أنّ مُراقَبةَ طيْف النَّجم وتغيُّرَه حين مرور الكوكب الضيف بين النَّجم وبين الراصد الأرضى يُتيح التعرُّف إلى طيف الغلاف الجوّى للكوكب الضيف إذا وُجِد، وبالتالى دراسة إمكانيّة وجود حياة على ذلك الكوكب ونوعها.
لماذا نَدرس الكواكب الخارجيّة؟
هل نحن وحدنا فى الكَون؟ وهل إنّ كوكبَنا الأرض يَنفرد وحده كمَوئلٍ للحياة؟ إنّه أحد أعمق الأسئلة التى يُمكن أن تَطرحها البشريّة. لقد تمَّ اكتشافُ أوّل كوكبٍ خارجى يدور حول نجْمٍ مِثل شمسنا فى عام 1995، ثمّ توالَت وتسارَعت وتيرةُ اكتشاف الكواكب الخارجيّة البعيدة.
ولأنّ العديدَ من العُلماء يعتقدون أنّ الحياةَ تضجّ فى أمكنةٍ موزَّعة فى هذا الكَون الفسيح، أَطلقت وكالةُ الفضاء الأمريكيّة «ناسا» فى عام 1962 برنامجًا بحثيًّا جدّيًّا، أَسمته «سيتى» (SETI: Search for Extra-Terrestrial Intelligence) أى البحث عن حياةٍ ذكيّة خارج كوكب الأرض. يَستخدم هذا البرنامجُ تلسكوباتٍ راديويّة يتمّ نشرُها عَبْر العالَم وتوجيهها نحو نجومٍ بعيدة فى محاولةٍ لالتقاط إشارات راديويّة اصطناعيّة المَنشأ. وحتّى اليوم لا تزال النتائج سلبيّة تمامًا، ربّما هناك إشارة واحدة التُقطت فى عام 1977، سُمّيت «واو»، ويعتريها الشكُّ لأنّ العودة إلى المَوجةِ نفسها لم تَنجح بالتقاطِ أى إشارة بَعد ذلك الحين.
وعلى الرّغم من العدد الكبير للكواكب الخارجيّة المُكتشَفة، لم يُلحظ فيها أيّة إشارة تكنولوجيّة أو أى دليلٍ حتمى على وجود حياة ذكيّة عليها، فإنّ هذا لا يَنفى قيمةَ الاهتمام بالبحث عن حياةٍ وذكاءٍ خارج كوكب الأرض، آخذين فى الحسبان كلّ الاعتبارات العلميّة والدّينيّة، بخاصّة أنّ بعض عُلماء الفَلك يُقدّرون عددَ الكواكب فى مجرّتنا «درب التبّانة» بحوالى 400 مليار كوكب!
هل الحياة ضربة حظّ؟!
ثمّة مسافة شاسعة بين أن يكون كوكبٌ ما مؤهَّلاً للحياة، وبين الظهور الفعلى للحياة فى أرجائه. وكلّ المسابير الفضائيّة التى أُرسلت إلى كواكب المجموعة الشمسيّة منذ سبعينيّات القرن العشرين، لم تَلحظ أى وجودٍ أكيد لمَعالِم الحياة على أى منها. هناك طُرقٌ أخرى مُعتمَدة علميّا للبحث عن حياةٍ خارج الأرض تَعتمد على تفحُّص الصخور النيزكيّة التى تَضرب الأرض. وكانت دراسةُ الصخور القمريّة التى أَحضرها روّاد مركبات أبّولو المُتتالية بين عام 1969 و 1972 قد أَثبتت أنّ القمرَ جرمٌ ميّت ليس فيه أيّة إشارة إلى أى شكلٍ من أشكال الحياة. لكن ما لبث الأمل أن عادَ إلى احتمال الحياة على كوكب المرّيخ، حين أَعلن عُلماء الناسا فى عام 1996 عن اكتشافهم لنيزكٍ مرّيخى فى جليد القطب المتجمّد الجنوبى للأرض، يحتوى على كرياتٍ كربونيّة ميكروسكوبيّة شبيهة بآثار البكتيريا على الأرض.
والمعروف أنّ جُزيئاتٍ عضويّة معقّدة تشكَّلت فى صقيع الفضاء الفسيح، يُمكن أن تتحوَّل إلى حمضٍ أمينى تحت تأثير الأشعّة فوق - البنفسجيّة. فالحمض الأمينى هو مادّة البروتين الأساسيّة، ولا بدّ له من الاتّحاد بحمضٍ آخر لتوليد الحياة: الحمض النووى (دى إن إى)، وكلا الحمضَيْن يتشكّلان من كربون وهيدروجين وأوكسيجين ونيتروجين وعناصر قليلة أخرى. لكنّ تشكُّل الحمض النووى من الموادّ العضويّة المذكورة مسألةٌ لا يُمكن الاعتماد على المُصادَفة فيها، فذَرّات العناصر العضويّة المذكورة تَدخل فى تركيب الخليّة الحيّة بنِسبٍ شديدة التعقيد، واحتمال تشكُّلِها بالمُصادَفة يُساوى صفرًا.
صعوبةٌ أخرى تظهر حين ننتقل من الجسيمات وحيدة الخليّة إلى أشكالٍ من الحياة الأكثر تطوُّرًا. فالجسيمات وحيدة الخليّة ظَهرت بَعد ولادة كوكب الأرض بمليار سنة، بينما احتاجتِ الحياةُ الحيوانيّة الأكثر تعقيدًا والحياة الذكيّة أكثر من ثلاثة مليارات من السنين بعد ذلك.
المادّة تُنظِّم ذاتها
غَير أنّ للعالِم الفيزيائى البريطانى بول دايفيس رأيا آخر.. يقول: «ما دامت الحياة قد تطوَّرت هنا، على كوكبنا الصغير، فما الذى يَمنع أن تتطوَّر فى أمكنةٍ أخرى ولمراحل أكثر تقدّمًا حيث تتوفَّر شروطٌ مشابهة لبيئة الأرض وربّما أكثر مُلاءمة للحياة منها». ويرى دايفيس أنّ الحياة فى الأصل لم تكُن معجزةً خارقة ولا حادثةً أتت بالمُصادفة، بل إنّها إحدى الوظائف الحتميّة التى تُترجِم بحثَ بعض المتّحدات الماديّة عن تنظيم نفسها بنفسها. ويرى كذلك أنّ الحياة والوعى هُما صفتان أساسيّتان فى الطبيعة، تَنتجان عن القوانين العلميّة فى النُّظم الماديّة التى تَصِل إلى مستوىً مُعيّن من التعقيد.
تناقُض فيرمى.. «لكن أين هى هذه الكائنات؟»
إحدى الحجج التى يَسوقها أصحابُ نظريّة «نحن ولا أحد»، أنّه لو أنّ سيناريو النشوء والارتقاء الذى يَعتمده المُتفائلون استنادًا إلى قوانين العِلم والفيزياء صحيح، لكانت مجرّتنا «درب التبّانة» تعجّ بحضاراتٍ أكثر ذكاءً من الأرضيّين وأكثر تطوُّرا بكثير، نظرا لعُمر المجرّة، ولكانت إحدى هذه الحضارات تمكَّنت من رصدِنا واستعمارِنا أو زيارتِنا على الأقلّ. لكنّ مسألةَ زيارة كائنات خارجيّة لكوكبنا لا تزال أمرا جدليّا نَحتمله كلّما أَدهشتنَا بنيةٌ عملاقة من العصور الغابرة مثل أهرام الفراعنة أو آثار المايا والإزتك فى المكسيك أو غيرها.
والتساؤل عن الكائنات اللّاأرضيّة وموقعها والدلالة على وجودها أَخذ منحى جديًّا فى خمسينيّات القرن الماضى مع كتابات العالِم الإيطالى أنريكو فيرمى، والمسألة التى عرَضها وقد عُرفت بـ «تناقُض فيرمى»، وهو التناقُض الظاهر بين التقديرات العالية لاحتمال وجود حضارات خارجيّة، وبين غياب الدلالات الحتميّة الملموسة على مثل هذا الوجود. فعُمر الكون الكبير والعدد الهائل للنجوم يَفترض أنّ الحياة لا بدّ من أن تكون سائدة خارج كوكب الأرض، إلّا إذا كان لكوكب الأرض حصريّة استثنائيّة فى أمرٍ ما!
أوّل وجوه هذا التناقُض له علاقة باتّساع الكون الهائل وعدد الكواكب المقدَّر فى مجرّتنا: درب التبّانة. ومهما خفّضنا من النسبة المئويّة لاحتمال وجود حضارات ذكيّة فى المجرّة، سينتج عن حساباتنا عددٌ كبير من مثل هذه الحضارات فى مجرّتنا وحدها. لكن أين هى هذه الحضارات؟ أين أطيافها المَوجيّة وأين مَركباتها الزائرة أو المُهاجِمة أو المُستكشِفة؟ لو كانت موجودة لكان يكفيها بين 5 و 50 مليون سنة فقط لتستعمِرَ المجرّةَ برمّتها، وهذه فترة قليلة بالمعيار الفلكى الكونى.
مُعادَلةُ درايك
أولى النظريّات مُحاكاةً لعددِ الكواكب الحيّة فى مجرّتنا كانت معادلة فرانك درايك (Frank Drake) التى كَتبها فى عام 1961 بَعد عقدٍ من الزمن على «تناقُض فيرمى» وكتاباتِه ونقاشاتِه.
استندت هذه المعادلة إلى عددٍ من العناصر: معدّل تشكُّل النجوم فى المجرّة، نسبة النجوم التى تَحتضن كواكب فى جوارها، ونسبة الكواكب المؤهَّلة للحياة حول النَّجم الواحد، نسبة الكواكب التى تتطوَّر بيئتُها إلى بيئةٍ حيّة بين الكواكب المؤهّلة، نسبة الكواكب الواصلة إلى ذكاءٍ بين الكواكب التى تَستضيف الحياة، نسبة العوالِم التى وَصلت بذكائها إلى تطوُّرٍ تكنولوجى يتيح لنا التقاط دلالاته.. وأخيرا معدّل المدّة الزمنيّة التى أَمكننا خلالها التقاط آثار مثل هذه الحضارة المتطوّرة. المشكلة الرئيسيّة فى هذه المُعادَلة هى أنّ معظم عناصرها لا نَعرف عنها شيئاً والتكهُّن بمقاديرها يُمكن أن يكون عشوائيّا. وقد اشتدَّ الجدالُ حولها وأَصبحت أعجز من أن تحلّ تناقضاتها الذاتيّة إلى حدٍّ دَفَعَ بمؤسِّس المُعادَلة، فرانك درايك نفسه، إلى أن يَنتقد مُعادلَتَهُ قائلاً: «إنّها لا تَنفع على ما يبدو فى حلّ معضلة فيرمى، لكنّها مجرّد طريقة لتنظيم جَهلِنا حول موضوع الحضارات الخارجيّة».
خلاصة الموضوع
لم يَجِد عُلماء الفَلك حتّى اليوم أى أثرٍ لحياةٍ ذات قيمةٍ فى أى من كواكب المجموعة الشمسيّة. وكلّ البحوث عن إشارات راديويّة ذكيّة حول النجوم القريبة باءَت بالفشل. وقد باتَ الفلكيّون لا يتوقّعون وجود حضارة مدنيّة متطوّرة ضمن مسافة مئة سنة ضوئيّة حولنا. وللوصول إلى مسافاتٍ أبعد، مع افتراض تطوير صواريخ تستطيع السفر بسرعةٍ خياليّة تَصِل إلى عُشر سرعة الضوء، فهى تحتاج لألف سنة على الأقلّ. وحتّى الاتّصال الراديوى مع حضاراتٍ خارجيّة مُفترَضة، على مثل تلك المسافات، سوف تكتنفه فوارق زمنيّة تُقاس بالقرون بين التحيّة وردّ التحيّة! ولذلك فإنّ فكرة التواصُل مع حضاراتٍ خارجيّة - لو وُجِدت - ليست فكرة عَمَليّة البتّة. لذلك فمِن غير المُحتمل النجاح فى مخاطبة حضارة فلكيّة ذكيّة قَبْلَ عقودٍ من الزمن.

 

 

أحمد شعلان
مؤسسة الفكر العربى
النص الأصلى:

 


https://bitly.cx/kPRHi

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة