x قد يعجبك أيضا

ترامب والمليارديرات! من أنتم؟

الخميس 23 أكتوبر 2025 - 8:05 م

خلال أحاديث جمعتنى بعددٍ من المسئولين الأمريكيين، العسكريين والدبلوماسيين، ممن أقالهم الرئيس دونالد ترامب، أو ممن اضطروا إلى تقديم استقالاتهم خلال الأسابيع الماضية، بدت الصورة لى أكثر وضوحًا فى فهم طبيعة تفاعلات إدارة ترامب الثانية مع من تعتبرهم «ممثلى الدولة العميقة» من موظفين عموميين أو عسكريين كبار. وانتهيت إلى خلاصة مفادها أن ترامب الملياردير، وكبار مستشاريه، ولا سيما صهره الملياردير جاريد كوشنر، وصديقه الملياردير ستيفن ويتكوف، ومحاميه السابق وصديقه الملياردير توم باراك، يرون كل هؤلاء الذين قضوا حياتهم المهنية فى أفرع أجهزة الدولة الأمريكية المختلفة - سواء فى وزارة الخارجية أو البنتاجون أو أجهزة الاستخبارات - ليسوا سوى مجموعة من الخاسرين الفشلة (Losers)، إذ قضوا عقودًا من حياتهم المهنية لينال كل منهم فى النهاية أجرًا ثابتًا متواضعًا بمعاييرهم.
بعد كل هذه السنوات، لا يتعدى راتب أى مسئول كبير 200 ألف دولار سنويًا قبل حساب الضرائب، أو ما يقارب 10 آلافدولار شهريًا بعد خصومات الضرائب، أى إنهم يعيشون على مرتباتهم Paycheck to Paycheck.
يرى ترامب ودائرته المقربة أنفسهم ناجحين بما يمتلكونه من مليارات أو مئات الملايين من الدولارات، ولا يكترثون بطريقة الحصول عليها، سواء أكانت عن طريق الإرث، أو النصب، أو العمل الجاد.
ويتعامل هؤلاء المليارديرات باستعلاءٍ كبيرٍ مع المؤسسات البيروقراطية الراسخة ومراكز صنع القرار التقليدية، ويظهر هذا الأمر - بوضوح - فى إدارة ملفات الشرق الأوسط، حيث تم تهميش أولئك الذين عرفوا ثقافات الإقليم وتعلموا لغاته وفهموا مجتمعاته؛ إذ يرونهم مجموعة من الفَشَلة لعدم تمكنهم، على مدار العقود الأخيرة، من حلّ الصراع بأى صورة ممكنة، ولو حتى بتصفيته على حساب الفلسطينيين.
• • •
خلال حوارٍ جمع كوشنر وويتكوف فى برنامج «ستون دقيقة» على شبكة CBS قبل أيام، تحدث المليارديران وكأنهما يمتلكان من الإمكانات الفكرية والاستراتيجية والتفاوضية ما لم يمتلكه غيرهما.
وذكرا أنه، على مدار الخمسين عامًا الماضية، فشل الدبلوماسيون والخبراء المعنيون، الذين تشكّلت سيرتهم الذاتية اعتمادًا على لعبهم أدوارًا رائدة فى عملية سلام الشرق الأوسط الفاشلة.
وسخر كوشنر وويتكوف من اللجوء إلى الطرق التقليدية فى محاولات التوصل إلى سلامٍ فى الشرق الأوسط، وهما مُصيبان فى هذا، لكن الغرور أخذهما إلى حد الإشارة إلى ما وصفاه بـ«نجاحهما التاريخى» فى إحلال السلام فى الشرق الأوسط!
كما سخر ويتكوف من تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) التى كان يتلقاها ثلاث مرات يوميًا، وكانت تؤكد له أن حركة حماس لن تقبل بخطة ترامب ذات النقاط العشرين، وهو ما لم يحدث.
• • •
فى فترة حكمه الأولى، كان ترامب كثيرًا ما يصف فى تغريداته من يُقيلهم بـ«الخاسرين» و«الفاشلين». خلال تلك الفترة، تعلم ترامب درسًا قاسيًا بعد استعانته بشخصيات تقليدية من سفراء كبار وجنرالات يتمتعون بالكفاءات والخبرات اللازمة لأداء مهامهم فى مناصب رفيعة، لكنها لم تكن تدين له بالولاء الشخصى. وقد نتج عن ذلك استقالات وإقالات لأربعة مستشارين للأمن القومى، وكذلك أربعة وزراء للدفاع، كما استبدل ترامب خمسة وزراء للأمن الداخلى ووزيرين للخارجية.
عكست تلك الفوضى معضلة علاقة ترامب بنخبة العاصمة السياسية (واشنطن)، إذ كان يدرك احتقار هذه النخبة له حتى بين الجمهوريين منهم. وما زال ترامب يدرك أنه غريب عن واشنطن، رغم وجوده فى البيت الأبيض لمدة أربع سنوات من قبل، وعودته إليها فى يناير الماضى. يدرك ترامب أن نخبة واشنطن، أو ما نُطلق عليه البلوب (Blob)، يعادونه ولا يحترمونه، ويرونه شعبويًا جاهلا فُرض عليهم من قِبل ناخبى الأرياف والفلاحين والمحافظين المتدينين وعمال المصانع البسطاء من خارج واشنطن.
ويدرك ترامب أن نخبة واشنطن، حتى اليوم، وعلى الرغم من عودته ظافرًا منتصرًا إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، تشكك فى قدراته الذهنية والمعرفية والأخلاقية اللازمة لممارسة مهامه كرئيس للدولة وكقائد أعلى للقوات المسلحة.
• • •
قد لا أبالغ إذا قلت إن دور وزارة الخارجية - حاليًا - يقتصر على إصدار التأشيرات والأعمال القنصلية، وربما بعض الملفات المتعلقة بأمريكا الوسطى والجنوبية، فى حين انتقلت ملفات السياسة الخارجية الرئيسة، مثل الشرق الأوسط وأوكرانيا وحلف الناتو وروسيا وغيرها، إلى مليارديرات ترامب.
أدرك ترامب، بعد انتهاء فترة حكمه الأولى، أنه يمكنه استبعاد عملية الحسابات الاستراتيجية فى سياساته الخارجية، لأنها عملية معقدة ترتبط بتحديد أهداف بعيدة المدى، وهو ليس من هذا النوع من القادة. إذ يستلزم ذلك رئيسًا يدرك أهمية المؤسسات التى تساهم فى صنع هذه السياسات من خلال فرق عمل تتولى الدراسة ثم التنفيذ والمتابعة والمراجعة والتصحيح عند وقوع الخطأ، وترامب ليس كذلك.
فى هذا الصدد، حذر ستيف بانون، مستشار ترامب السابق، الوزراء الذين اختارهم خلال فترة حكمه الأولى من التعامل مع الرئيس ترامب كـ«بروفيسور»، إذ إن ترامب لا يحب الاستراتيجيات، ويحكم يومًا بيوم، لذلك لا يحب الأساتذة الجامعيين، فلا تُلقِ عليه محاضرات».
• • •
لعقود، ردد الخبراء والدبلوماسيون والمسئولون الأمريكيون والأجانب، من مختلف أنحاء العالم، أن الولايات المتحدة دولة تحكمها المؤسسات. وقد توقف هؤلاء عند حقيقة أن سياسات واشنطن الخارجية لا تتأثر بالمتغيرات الحزبية تجاه الثوابت العامة، سواء تمثل ذلك فى وصول رئيس ديمقراطى إلى البيت الأبيض أو خروج رئيس جمهورى منه. ولم يتغير الأمر كذلك مع تغير كفة أحد الحزبين على الآخر داخل مجلسى الكونجرس، فى ظل ما يشبه الإجماع على وضوح الأهداف الأمريكية فى مختلف أقاليم العالم.
أما اليوم، فيتجاهل ترامب، بصورة متزايدة ومتكررة، الكونجرس، ومجلس الأمن القومى، ووزارة الخارجية، وأجهزة الاستخبارات المختلفة، عند اتخاذ قراراته المتعلقة بالسياسة الخارجية. وعمليًا، تُدار إدارة ترامب على يد حفنةٍ من المليارديرات الذين لا يعرفون، ولا يكترثون بتعقيدات أزمات السياسة الخارجية، ولا بتاريخها أو بسوابق التعامل الأمريكى معها. يهتمون بالحلول والصفقات، ولا يكترثون بشرعية أو حقوق أو قيم أو مبادئ، بل فقط بما يمكن تحقيقه على أرض الواقع.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة