x قد يعجبك أيضا

صراع الإرادات.. وإدارة الصفقات

الخميس 23 أكتوبر 2025 - 8:05 م

يتحرك خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومساعديه إزاء مستقبل غزة وخطة إنهاء الحرب بين عدد من الثوابت والمتغيرات يمكن تحديدها بتحليل التصريحات والتغريدات.

نلحظ إصرارًا على تثبيت الاتفاق وإنهاء المرحلة الأولى منه بنجاح بما في ذلك إدخال المساعدات الإنسانية بالقدر المتفق عليه والذي لا يكفي احتياجات أشقائنا الفلسطينيين، إلى جانب حتمية نزع سلاح حركة حماس بما ينهي تهديد أمن إسرائيل، ثم الحديث المتكرر عن قدرة الاحتلال على التدخل "في دقيقتين" أو "إذا سُمح له" للتعامل مع الحركة "بعنف" ولكن بعد إفساح "وقت إضافي" لتدبير الأمر.

وفي المقابل نرى التباين في توصيف الاتفاق بين وقف إطلاق النار والسلام ووقف الحرب، وتغير تقييم دور حماس ومدى الرضا عن قيادتها، فتارة هم يجابهون جماعات الفوضى وتارة أخرى يُتهمون بالانتهاكات. وتحدث ترامب مرتين عن كون الحركة "جماعة عنيفة بطبيعتها" ملمحًا إلى صعوبة تحولها بسرعة من حالة الصراع إلى الهدوء. إلى جانب ضبابية مستقبل القطاع وعدم وضوح تفاصيل خطة مجلس السلام التي بدت الأوراق المسربة عنها سابحة في الوهم.

وبين ثنايا تلك الثوابت والمتغيرات نلحظ إصرار ترامب على ترسيم "منطقة عازلة" بين التهديدات والانزلاق إلى الحرب، أو بالأحرى "خط رجعة" يوفر الحماية لما أنجزته مفاوضات شرم الشيخ، ثم السير على النهج التوافقي مع مصر وقطر وتركيا لانطلاق المرحلة الثانية من المفاوضات.

ترامب ومساعدوه ليسوا ملائكة. أسبابٌ عديدة تدفعهم إلى تثبيت الاتفاق وتطويره. يستشعرون إمكانية النجاح ليحظوا بمجد سياسي ودعائي طائل في ظل تعثر مساعيهم في ملفات أوكرانيا وروسيا والشراكة مع أوروبا والحرب الاقتصادية مع الصين. كما يخشون ثقل العبء الناتج عن تصعيد حكومة نتنياهو بعد عملية قصف الدوحة. جاريد كوشنر، مبعوث ترامب وصهره المقرب، عبّر عن ذلك مؤخرًا بقوله إن "الوقت حان لمنع الإسرائيليين من اتخاذ خطوات تلحق الضرر بهم على المدى الطويل".

غير أن التذبذب يعكس بوضوح جليّ، صراع إرادات على مستويين: الأول خارجي يتعلق بحكومات وشخصيات في الشرق الأوسط وجماعات ضغط كبرى في واشنطن، والثاني بين الإدارة الأمريكية ذاتها وبعض الأجنحة في مؤسسات الدولة وبالأخص المخابرات المركزية والبنتاجون، وربما مواقع أخرى. حيث تحاول بعض العواصم والقوى الانقلاب على مشهد شرم الشيخ بكل ما حمله من معانٍ إقليمية، وأهداف للمحافظة على القضية الفلسطينية من التصفية، ومكاسب سياسية لمصر.

كان الاستنتاج السابق بشأن صراع الإرادات يبحث عن دليل حتى نشر ترامب تغريدة مساء الثلاثاء الماضي تحدث فيها صراحةً ولأول مرة عن رغبة بعض الدول في التدخل لضرب حماس. أمر ربما يكون مستبعدًا بمعناه الحرفي لما يتضمنه من مخاطر عسكرية، ولكنه منطقي بما يحمله من دلالات اتفاق نوايا عواصم عربية وإسلامية مع إسرائيل على ضرورة التصعيد.

أما الدليل الأوضح فهو تصريح للمبعوث ستيف ويتكوف في الحوار المشترك له مع كوشنر في برنامج "60 دقيقة" على قناة CBS مؤخرًا. تصريحٌ لم ينل حظه من الانتشار رغم انتزاعه "آهة تعجب واستغراب" من المحاورة المخضرمة ليزلي ستال! قال إنه كان يتلقى كل يوم ثلاثة تقارير من CIA تتفق على أن حماس لن توافق على دخول المفاوضات على عكس معلومات قادة القاهرة والدوحة وأنقرة التي كانت تشجع على المضيّ قدما وتؤكد أن حماس مستعدة لقبول الوساطة وتنفيذ المرحلة الأولى.

ولا صعوبة في إيجاد تطابق بين تلك التقارير وبين معلومات روجتها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية لمحاولة عرقلة مسار شرم الشيخ أو التلكؤ فيه. مما وصفه المعلق السياسي اليميني والمستشار السابق لترامب، ستيف بانون بـ"الخيانة والرضوخ للموساد" مطالبًا بإبعاد رئيس CIA عن منصبه.

وسواء عادت هذه المُربكات إلى خلافات مؤسسية أو ضغوط خارجية طارئة أو الخضوع لأكثر من "لوبي" فالطبيعة الاستثنائية لإدارة ترامب حيث لا ينتمي مساعدوه إلى الأجهزة التقليدية ويتعاملون بأسلوب الصفقات التجارية، طبيعةٌ تتيح دومًا مساحة للتفاوض، وتفرض على مصر وباقي الوسطاء نمطًا مختلفًا من التعامل: تنقل سريع بين الهجوم والدفاع، من طرح الافكار إلى عدم الارتداد عن أي خطوة تحققت، مع الضغط المستمر لإنعاش شعب غزة وأرضه بالمساعدات الغذائية والطبية والسكن والمرافق، من أجل منع تنفيذ أجندة التهجير والاحتلال بقوة الأمر الواقع.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة