x قد يعجبك أيضا

إعادة الحيوية إلى مؤسسات المجتمع المدنى

الأربعاء 22 أكتوبر 2025 - 8:00 م

أصبح موضوع أهمية بثّ الحياة والحيوية والفاعلية فى مؤسسات المجتمعات المدنية العربية، بعد ما كشفت أحواله مأساة غزة، أمرا بالغ الضرورة الوجودية لمستقبل أجيال كل من الأقطار العربية منفردة من جهة والجسد القومى العربى الواحد من جهة أخرى.

 


ولسنا هنا فى وارد البكاء على ما فات فى السنتين الماضيتين، وإنما نحتاج إلى أن نجيب عن السؤال الأهم المفصلى: ما العمل؟ وما السبيل لجعل قوى المجتمعات العربية قادرة على أن تؤدى دورها المطلوب فى صدّ الهجمة المتنامية من المؤامرات القادمة من الخارج والنشطة فى الداخل، لتلتقى كل مكوناتها فى تناغم تاريخى من أجل خروج هذه الأمة من تمزّقها وتخلفها ومن وصولها إلى أن تكون كيانا مستباحا من قبل كل من هبّ ودب؟
فى رأيى أن المطلوب هو المبادرة من قبلنا جميعًا، كل من موقعه وبقدراته وبتقديم الجهد والتضحيات التى تتطلبها الفترة التاريخية الحالية، كما أرانا التاريخ البشرى المرّة تلو المرّة، المبادرة والمشاركة فى واحدة أو أكثر من النشاطات الثلاثة التالية:

أولا: لن تستطيع قوى المجتمعات المدنية العربية الحالية، كالأحزاب السياسية والنقابات العمالية والجمعيات المهنية والأهلية بشتى ألوانها، أن تؤدى واجباتها الوطنية والقومية وهى فى وضعها الحالى. إنها تحتاج إلى أن تضاعف أعداد المنتمين إلى عضويتها، وعلى الأخص جيل الشابات والشباب منهم.
إن ذلك سيتطلب من الأهالى الواعين فى المنازل والمدرسين فى المدارس والجامعات والقادة الدينيين والإعلام الملتزم النظيف وغيرهم من الألوف المثقفين أصحاب الضمائر الحية والمشاعر الوطنية والعروبية... سيتطلب الأمر وجود تيار كبير من هؤلاء يقوم بتوعية الشباب والشابات بالأهمية القصوى لئلا يكون اهتمامهم بشبكات التواصل الاجتماعى المختلفة سببًا فى ابتعادهم عن الانخراط فى مؤسسات مجتمعاتهم المدنية والانتماء كأعضاء نشطين فينشّطون بدورهم تلك المؤسسات التى سينتمون إليها، بل ويبدءون فى احتلال بعض المناصب القيادية لتلك المؤسسات من أجل إنعاشها.

من الضرورى أن يفهم الجيل الجديد بأن شبكات التواصل الاجتماعية ليست هدفًا اجتماعيًا مستقلًا فى ذاتها وإنما هى جزء من نشاط اجتماعى وسياسى وثقافى، ولكن ليس منفصلا عن كل أنواع النشاطات الأخرى التى تقوم بها المؤسسات التى ذكرناها.
لن يكفى إقناع عدد محدود من جيل الشباب، فالهدف هو تجييش وانخراط أكبر عدد ممكن منهم ليصبح لهم تأثير وازن فى مسيرة ونشاطات كل مؤسسات المجتمع المدنى الحالية التى شاخ الكثير منها وتعب.
ثانيا: بعد مدّ مؤسسات المجتمعات الوطنية بتلك الحيوية الشبابية ونقلها إلى القدرة على التحرك السياسى والاجتماعى والثقافى والتأثير على مجمل ما يجرى فى المجتمعات، ننتقل إلى تكوين الكتل الوطنية الديموقراطية التى تضم مجموعة من مؤسسات المجتمع المدنى القادرة على العمل مع بعضها بتنسيق وتضامن. ويقتصر عمل تلك الكتل على النضال من أجل المطالبة بقوانين وقرارات وخطوات تؤدى إلى مزيد من الديموقراطية فى كل مجتمع وطنى عربى. ولقد ساهم الأخ الدكتور على الكوارى وإخوة له فى وضع تفاصيل كثيرة عن هذا الموضوع.
إن التشديد على أن يكون هم تلك الكتل الأول الديموقراطية هو حاجة المسيرة الديموقراطية إلى مساهمة مجتمعية تبنيها، وليس الاقتصار على ما تتفضّل بالسماح به هذه الجهة المهيمنة أو تلك، كما هو الحال فى كل الأرض العربية حاليا.
ثالثا: الخطوتان السابقتان هما من أجل تنشيط الحياة فى المجتمعات الوطنية القطرية، بعد أن دبّ الضعف فى غالبيتها الساحقة مؤخرا وكشفته مأساة غزة.
أما الخطوة الثالثة فهى ما كتبنا عنه مع الكثيرين غيرنا، بالضرورة القصوى لتكوين كتلة تاريخية شعبية عربية تضامنية تنسيقية، من كل قوى المجتمعات العربية المدنية وأفرادها الملتزمين، وذلك من أجل إيجاد جهة مجتمعية قومية وجودية عروبية تسدّ الفراغ الذى حصل وتفاقم مؤخرا بالنسبة لمؤسسات رسمية من مثل الجامعة العربية أو مؤسسة التعاون العربى الإسلامى، الفراغ الذى مع الأسف أبانته فى أسوأ صورة مأساة غزة وكل مآسى الهجمة الصهيونية مؤخرا، والذى يقف مع الأسف ولا يزال يقف متفرجا على كثير من مشاكل ومآسى الوطن العربى والعالم الإسلامى دون أن يبذل جهدا ذاتيا أو مع السلطات الرسمية إلى حلها كلها أو حتى حل بعضها، كما تفعل قوى المجتمعات الأخرى عبر العالم.
تلك خطوات ثلاث عملية ستساهم فى تغيير الواقع المأساوى الذى تعيشه أمتنا حاليا، إذا حققت اقتحام الشباب والشابات أبواب كل مؤسسات المجتمع المدنى وأنعشتها بالنشاط والحيوية والأفكار المتجددة والقيادة الشجاعة.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة