الزيارة الرسمية التى بدأها ملك إسبانيا فيليب السادس وملكة إسبانيا للقاهرة تكتسب أهمية استثنائية فى تاريخ العلاقة بين البلدين، وتأتى بعد أن ارتقت العلاقة بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية عقب زيارة الرئيس السيسى لإسبانيا فى فبراير 2025.
لأن هذه الزيارة هى الأولى للملك والملكة فإنها تحتاج إلى جانب المظاهر الرسمية والبروتوكولات إلى مظاهر تأييد شعبى، بهدف إبراز تقدير الشعب المصرى لموقف الحكومة الإسبانية الداعمة بوضوح للشعب الفلسطينى.
يفسر مقال فى لوموند ديبلوماتيك الموقف الإسبانى ودوافعه بالإشارة إلى ما يحظى به حزب العمال الاشتراكى الإسبانى الذى يقود الحكومة هناك من دعم حزب سومار، الذى يضم حزب اليسار الموحد (إزكيردا أونيدا) ــ إلى جانب الحزب الشيوعى الإسبانى ــ وأحزابًا إقليمية تقدمية مختلفة، بالإضافة إلى أحزاب انفصالية باسكية وكتالونية. وتدعم هذه الأحزاب، بطرق ومستويات مختلفة، المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، وجميع النضالات من أجل إنهاء الاستعمار.
كما اعترفت إسبانيا (إلى جانب أيرلندا والنرويج) بدولة فلسطين فى 28 مايو 2024، كما أبرزت دعمها لقضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل التى قدمتها جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية فى أكتوبر 2024 وقامت بتعليق جزئى لصادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
المؤكد أن سياسات إسبانيا ليست مجرد نتاج للظروف السياسية الحالية فقد تأخر اعترافها بإسرائيل لنحو 38 عاما من قيام الدولة العبرية ولم تتقبل وجودها إلا بعد انضمام إسرائيل إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية؛ وكانت آخر دولة أوروبية تعترف بها.
لكل تلك الأسباب يبدو تصاعد الدعم الإسبانى للشعب الفلسطينى خلال الأسابيع الأخيرة مفهوما لكنه بلغ ذروته هذا الأسبوع إذ استعملت الحكومة الإسبانية للمرة الأولى تعبير (الإبادة الجماعية) علانيةً لوصف الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة، رغم أنها أشارت إلى أن هذا هو الوصف الذى تستخدمه مقررة الأمم المتحدة الخاصة، فرانشيسكا ألبانيزى، ومعظم الخبراء.
من جهة أخرى اتخذ الدعم الإسبانى مظاهر عديدة بعضها برز على الصعيد الرسمى والبعض الآخر تمثل فى مواقف لأفراد ونجوم مؤثرين حول العالم وأحدث هؤلاء النجم الإسبانى خافيير بارديم الذى ظهر أول أمس مرتديا الكوفية الفلسطينية فى حفل جوائز الإيمى وهتف (فلسطين حرة) وهو يمر على السجادة الحمراء.
فى أغلب المقابلات الصحفية التى أجراها، لم يتوقف بارديم عن تناول أسباب الصراع الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين فى غزة قائلًا: «فى نهاية أغسطس، أعلنت الرابطة الدولية لخبراء الإبادة الجماعية التى تدرس مفهوم الإبادة الجماعية بدقة، أن ما يحدث فى غزة اليوم هو إبادة جماعية».
الإجراءات التى أعلنها رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز تشمل حزمة من تسعة إجراءات تهدف إلى الضغط على إسرائيل، من بينها إقرار مرسوم قانونى بفرض حظر على تصدير الأسلحة إليها، بالإضافة إلى منع دخول أى شخص إلى الأراضى الإسبانية ممن شاركوا بشكل مباشر فيما وصفه سانشيز بـ«الإبادة الجماعية».
سانشيز قال صراحة، إن ما بدأ كردّ على «هجمات حماس الوحشية» فى 7 أكتوبر 2023 «ليس دفاعًا عن النفس، ولا حتى هجومًا، بل هو إبادة لشعب أعزل وانتهاك صارخ لجميع القوانين الإنسانية».
وقبل أسبوعين تقريبا أبحر من مدينة برشلونة أسطول يضم حوالى 20 سفينة تحمل مساعدات إنسانية وناشطين من بينهم السويدية جريتا تونبرج، فى محاولة «لكسر الحصار غير القانونى» الذى تفرضه إسرائيل على غزة، بحسب منظميه، وذلك تحت شعار «بينما يبقى العالم صامتا، نحن نُبحر».
حظيت إسبانيا بتأييد كبير من الشعوب العربية التى لم يكن المجال مفتوحًا أمام أغلبها للنزول إلى الشارع وإعلان دعم واضح للفلسطينيين كما فشل أغلب المواطنين العرب فى حث حكوماتهم على اتخاذ إجراءات مماثلة لما قامت بها إسبانيا لذلك فإن زيارة ملك إسبانيا للقاهرة تمثل مناسبة مهمة ويجب استثمارها شعبيا لكى تواصل إسبانيا أداء دورها نيابة عن العرب الذين لا يزال أغلبهم غارقين فى مقرر البلاغة.