رضا عطية يكتب: ويبدو أنه «عام الشعر» فى سوق النشر - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 1:58 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رضا عطية يكتب: ويبدو أنه «عام الشعر» فى سوق النشر

دكتور رضا عطية
دكتور رضا عطية

نشر في: السبت 16 فبراير 2019 - 2:29 م | آخر تحديث: السبت 16 فبراير 2019 - 2:35 م

عند توجهى إلى جناح منشورات «الجمل» فى معرض القاهرة للكتاب لتحصيل ما فاتنى من دواوين شاعرى الأثير سركون بولص من ستة كتب جديدة أصدرتها «الجمل» لسركون قبيل معرض العام الفائت ــ وجدت نفاد العناوين الجديدة لسركون، فبادرت البائع بسؤال عن الكمية التى أحضروها من كل عنوان لسركون ومن قام بسحبها: هل مكتبات وموزعون أم أفراد من القراء؟ فأجابنى بأن قراء من جمهور المعرض هم الذين استنفدوا هذه الكمية الكبيرة من الدواوين الحديثة الطرح من كتب الشاعر العراقى صاحب التجربة الطليعية البارزة فى قصيدة النثر.. حينها تبدى لى أن هناك تحولا ما أو تطورا ما فى اتجاهات التلقى عموما والشعر بخاصة: فأن تزداد نسبة إقبال الجمهور المصرى على شراء أعمال شاعر يُعرف بنخبوية جمهوره وارتفاع أسعار الكتاب الواحد له (فى حدود 7 دولارات) بالنسبة لمتوسط الأسعار التى اعتاد عليها القارئ المصرى ــ فهذا له دلالة على حرص ما لدى شريحة من جمهور القراء على متابعة ما يجد طرحه من كتابة شعرية، حتى مع نخبويتها واختلاف لغتها عن المألوف والسائد، لشاعر رحل منذ أكثر من أحد عشر عاما وتتنامى جماهيريته وتزداد معدلات قراءة شعره بمرور الوقت. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يبدو هذا دليلا على توق الجمهور إلى الانفتاح على تجارب شعرية جديدة عليه تهيئ آفاق التلقى لاستقبال الكتابات الشعرية الطليعية بشرط اختلافها وتميزها وتقديمها جديدا.


كذلك، فمع طرح الهيئة المصرية العامة للكتاب الأعمال الشعرية لشاعر العامية الكبير عبدالرحمن الأبنودى وإقبال الجمهور عليها، خصوصا أن هناك بعض العناوين للأبنودى، بخلاف أعماله الشهيرة، ذات الانتشار الأوسع جماهيريا، كـ«جوابات حراجى القط»، و«الموت على الأسفلت»، لم يكن قد أعيد طباعتها منذ فترة بعيدة، ومع ترحيب القراء أيضا بما طرحته هيئة الكتاب من دواوين سيد حجاب ــ يتأكد لنا أن للشعر أرضا يستعيدها.
وبمناسبة إقبال القراء على تلقى دواوين العامية للأبنودى وحجاب، ومع طرح هيئة الكتاب أيضا كتبا لشعراء كبار من العرب والمصريين مثل قاسم حداد وموسى حوامدة وهاشم شفيق ومحمد سليمان، فضلا عن تقديم دواوين لعدد من الشعراء الجدد مثل محمود سباق الفائز ديوانه «محاولة لاستصلاح العالم» بجائزة معرض القاهرة للكتاب لهذا العام، ودواوين أخرى مثل «صور مهتزة» لمحمود بدوى، نجد فى المقابل أن سلسلة الشعر العامى التى تصدرها هيئة الكتاب بلا أثر أو صدى، «لا حس ولا خبر»، بما يؤكد لنا قدرة الجمهور على الانتقاء والفرز.


أما من ناحية توسُع بعض الناشرين فى الإقبال على نشر الشعر، فى ظل ما هو معروف وسائد عن إحجام معظم الناشرين عن تقديم كتب الشعر، فلنا أن نلاحظ بأن بعض الدور الخاصة خارج مصر وداخلها قد ازداد معدل ما طرحته من عناوين جديدة فى الشعر وفى مقدمتها دار «المتوسط» (إيطاليا) التى طرحت عددا كبيرا من العناوين الشعرية لشعراء مصريين وعرب من أجيال مختلفة وتيارات شعرية متنوعة، لأسماء عديدة منها: غادة نبيل وهبة عصام وزيزى شوشة وآخرون، مع اهتمام واضح من الهيئة العامة لقصور الثقافة بنشر الأعمال الكاملة لأحمد عبدالمعطى حجازى، الشاعر المصرى الأبرز، ومختارات شعرية لعدد من الشعراء العرب الكبار مثل: سعدى يوسف ،ومحمد بنيس، ومحمد على شمس الدين، وإسكندر حبش، وعبده وازن، فضلا عن نشر دواوين لشعراء مصريين كعزمى عبدالوهاب، ويوسف وهيب، وغيرهما، فيما يبدو أنه بأثر وعى المسئول الأول عن مشروع النشر بقصور الثقافة، الشاعر جرجس شكرى، بضرورة تقديم التجارب المتنوعة للشعراء العرب والمصريين من أصحاب التجارب الطليعية والمترسخة، بما يدل على أن الشعر آخذ فى كسب بعض الأراضى الجديدة فى فضاءات القراءة والتلقى.


وبمحاولة تفسير هذا التطور النسبى فى مسألة نشر الشعر وتلقيه لنا أن نبحث عن بعض العوامل والمتغيرات التى قد تكون أسبابا فى حدوثه ولنا أن نوجز أبرز فى ما يلى:
ــ إذا كان علم اجتماع الأدب يربط بين اتجاهات التلقى فيما يخص النوع الأدبى والجنس الكتابى بالمرحلة التاريخية والسياقات الاجتماعية والثقافية كما ربط لوكاش الرواية بصعود البورجوازية لاتساع الوعاء الروائى لما يمكن بثه من أيديولوجيات، وما قد بدا من صعود الرواية منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى وتصدرها اتجاهات التلقى فى الثقافة العربية بالتزامن مع صعود البورجوازية ــ فإن لنا أن نفسر معاودة الشعر للتقدم، نسبيا، مع احتفاظ الرواية بالصدارة فى التلقى، إلى المتغيرات السياسية والثقافية التى صاحبت ما عُرِف بـ«الربيع العربى» ونشوب الثورات العربية، والجدل الدائر حول مدى أصالتها أو ضلوع تيارات خارجية فى تسييرها، وما لازم كل هذا الحراك السياسى المائج من صعود لبلاغة «الشعارات»، هذه المنتمية إلى بلاغة التكثيف والإيجاز بما يمهد الأرض أمام حركة التلقى لتقبل أنماط متنوعة من الخطابات القائمة على بلاغة التكثيف والإيجاز ومنها الخطابات الشعرية، وهو ما قد عايناه، وقتها، من صعود ملحوظ وانتشار واسع لشعراء استثمروا هذا الحراك السياسى والمد الثورى كهشام الجخ وتميم البرغوثى وعبدالرحمن يوسف، مع الاختلاف على المستوى الفنية والقيمة الجمالية لشعرهم أو خفوت وهج النصوص التى قدموها حينها، مع مرور الوقت.


ــ ولنا أن ندفع بأن اتجاهات التلقى، نفسها تقوم بعمليات تصحيحية وتعديل مسارات، مع نمو وعى قرائى منفتح يتقبل مسألة تجاور الأجناس الإبداعية، مع تضمن بعض الخطابات الشعرية حمولات أيديولوجية تستقطب شريحة ما من الجمهور، بما يوازى ويعوض ولو بنسب أقل متضمنات الخطابات الروائية من الأيديولوجيا.


ــ الانتشار الجماهيرى لبرنامج «أمير الشعراء» الذى يقدم، إلى جانب جوائزه المالية اعتمادا لطبيعة الوسيط الاتصالى القائم على الشفاهية، لونا كلاسيكا من الشعر يعتمد أكثر على البنية الموسيقية والجهارة الصوتية قد أكد حضور الشعر وعزز وجوده، حتى لو كان بهيئة محافظة لا ترضى المتلقى النخبوى والطليعى من ناحية، وربما قد دفع، من ناحية أخرى، إلى تقديم نمط مقاوم يمثل تيارا مغايرا أو ربما مضادا لهذا النموذج.
ــ كذلك، يبدو لى أن صعود نوع معين من الكتابة الروائية التى تأتى مضمخة بأنفاس لغة شعرية قد أُحسن استعمالها وتوظيفها فى صياغة السرد كما فى كتابات إنعام كجه جى وعالية ممدوح وإسماعيل فهد إسماعيل ومحمد حسن علوان وغيرهم، بتقديم رواية تتمتع بمكون شعرى فاعل فى تركيبها كان له أثر ولو بطريق غير مباشر، فى فتح شهية شريحة معينة من قراء الرواية نحو تذوق الشعر ودفعهم باتجاه تجارب شعرية خالصة.

* د. رضا عطية: ناقد أدبى حاز على جائزة أفضل كتاب نقدى فى معرض القاهرة للكتاب ونال جائزة ساويرس هذا العام



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك