الطموح الصينى لحوكمة الذكاء الاصطناعى عالميا
الخميس 19 سبتمبر 2024 - 6:50 م
استضافت شنجهاى مؤتمرها العالمى السنوى للذكاء الاصطناعى فى يوليو الماضى 2024، والذى جمع كبار الخبراء والشركات والحكومات لعرض أحدث التقنيات واستكشاف اتجاهات الذكاء الاصطناعى المستقبلية وتعزيز التعاون العالمى. وللمرة الأولى، سلط مؤتمر 2024 الضوء على قضايا حوكمة الذكاء الاصطناعى عالميا؛ حيث استخدمت الحكومة الصينية حفل الافتتاح لإصدار إعلان شنجهاى بشأن الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعى.
ويشير الكاتب إلى أن الجهود الصينية لحوكمة الذكاء الاصطناعى بدأت فى أكتوبر 2023، عندما استخدم الرئيس الصينى شى جين بينج خطابه فى حفل افتتاح منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولى لطرح رؤية الصين لحوكمة الذكاء الاصطناعى عالميا. وتؤكد الوثيقة على أنه ينبغى تطوير الذكاء الاصطناعى لصالح البشرية، مع التمسك بمبادئ الاحترام المتبادل والمساواة. وبعد فترة وجيزة، اقترحت الصين قرارًا بشأن تعزيز التعاون الدولى وبناء القدرات فى مجال الذكاء الاصطناعى، والذى تم اعتماده بالإجماع فى الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونظرًا لهدف الصين فى أن تصبح المركز الرئيسى للابتكار فى مجال الذكاء الاصطناعى بحلول عام 2030، وأبحاثها الرائدة فى هذا المجال، ونضج مبادراتها المحلية لحوكمة الذكاء الاصطناعى، وجهودها الرامية إلى أن تصبح «صانعة للمعايير» الدولية فى مجالات سياسية أخرى، فليس من المستغرب أن يصف العديد من المعلقين المبادرات الصينية لحوكمة الذكاء الاصطناعى العالمية الأخيرة بأنها نابعة من موقف قوة. ومن هذا المنظور، تُعَد الصين قوة رائدة فى مجال الذكاء الاصطناعى وتحاول بشكل استباقى تشكيل المشهد الناشئ للحوكمة بما يتماشى مع أيديولوجيتها السياسية.
ويعلق الكاتب على هذه الحجة بأنها تحمل جزءا من الحقيقة. فالصين دولة رائدة فى تطوير وتصدير وتنظيم الذكاء الاصطناعى على مستوى العالم، وهو ما يضعها بلا شك فى موقف مؤثر على المستوى الدولى. ولكن بالفحص الدقيق تظهر نقاط ضعف السياسة التكنولوجية الصينية للعب دور أكثر حزما فى حوكمة الذكاء الاصطناعى العالمية.
أولا، على مدى السنوات الخمس الماضية، نشرت العديد من المنظمات الدولية والحكومية مثل اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ومجموعة الدول السبع مبادئ ووثائق إرشادية لحوكمة الذكاء الاصطناعى. ويوضح الكاتب أن نية معظم هذه المبادرات الغربية هو استبعاد الصين. لذا لعبت بكين دورا هامشيا إلى حد كبير فى مبادرات حوكمة الذكاء الاصطناعى العالمية؛ حيث يزعم بعض المعلقين الصينيين أن العديد من هذه المبادرات هى محاولة غربية لإملاء القيم المناسبة لحوكمة الذكاء الاصطناعى بشكل استباقى.
ثانيًا، كان إطلاق شات جى. بى. تى ChatGPT ونماذج اللغة الكبيرة (LLM) فى أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023 بمثابة مفاجأة لصناع السياسات، بما فى ذلك الصين. وقد أدى هذا إلى تزايد مخاوف بكين بشأن التهديد الذى تشكله هذه التقنيات الجديدة على الاستقرار السياسى، لذا حظرت الصين على الفور ChatGPT.
ثالثا، أدى إصدار شات جى. بى. تى ChatGPT إلى تحويل المناقشات حول الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعى من محادثات هامشية إلى أولوية سياسية للقادة العالميين، بالتالى أنشأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش هيئة تابعة للأمم المتحدة معنية بالذكاء الاصطناعى، وعقد رئيس الوزراء البريطانى، ريشى سوناك قمة سلامة الذكاء الاصطناعى.
طبقا لما تم ذكره، أصبح صناع السياسات الصينيين بحلول أوائل عام 2023 أكثر قلقا بشأن مخاطر أنظمة الذكاء الاصطناعى المحتملة، إضافة إلى خطر التهميش فى المناقشات العالمية حول الذكاء الاصطناعى. وعليه، ينبغى رؤية الجهود الصينية الأخيرة الرامية إلى إرساء وتعزيز رؤية لحوكمة الذكاء الاصطناعى عالميا كاستجابة رجعية للتطورات التكنولوجية والسياسية، وليس مجرد استعراض استباقى للقوة.
معلومة أخرى، إن المشكلة الرئيسية فى هذه الرؤية الصينية للحوكمة هى أن الخطاب والواقع لا يتطابقان. فى حين تدعو الصين إلى الشمولية، فإنها اتخذت إجراءات تركز إلى حد كبير على بناء الشراكات لمواجهة الهيمنة الغربية المزعومة فى مجال الذكاء الاصطناعى، سواء من خلال مجموعة البريكس أو مع مجموعة الـ 77. ومع ذلك، يمكن تفسير رفض الصين التوقيع على اتفاقية عالمية عُرضت فى قمة سول للذكاء الاصطناعى، وهى امتداد لقمة سلامة الذكاء الاصطناعى التى عقدت فى بلتشلى بارك بالمملكة المتحدة، فى وقت سابق من هذا العام، على أنه تحفظ على المشاركة فى المبادرات الدولية التى لا تقودها الصين أو الأمم المتحدة.
لكن مثل هذا النهج من شأنه أن يلحق ضررا كبيرا بجهود حوكمة الذكاء الاصطناعى عالميا. ومن المؤكد أن الأمم المتحدة سيكون لها دور تلعبه فى إدارة الذكاء الاصطناعى نظرا لشموليته وشرعيته. ولكن الطبيعة التقنية والعامة للذكاء الاصطناعى، إلى جانب «الجمود» الذى تواجهه الأمم المتحدة، تجعلها مؤسسة غير مناسبة لمعالجة العديد من قضايا الحوكمة الملحة المرتبطة بالذكاء الاصطناعى.
ولكى تنجح مبادرات الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعى، فإن المشاركة العملية بين الصين والغرب فى مجموعة متنوعة من المؤسسات تشكل أهمية بالغة. وإلا فإن الفشل فى القيام بذلك من شأنه أن يؤدى إلى تقويض المبادرات الواعدة وتفتيت النظام البيئى العالمى لحوكمة الذكاء الاصطناعى. وهذا من شأنه أن يلحق الضرر بالجميع.
هيو روبرتس
موقع «Eurasia Review»
ترجمة وتلخيص: وفاء هانى عمر
النص الأصلى:
https://rb.gy/fh50jj
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا