x قد يعجبك أيضا

شبه حرب!

الجمعة 19 أبريل 2024 - 6:55 م

الهجوم الإيرانى على إسرائيل مساء الثالث عشر من أبريل الجارى، والرد المحدود من جانب تل أبيب فجر يوم أمس، يمثلان تحولا جذريا فى قواعد الاشتباك بين الطرفين، اللذين حرصا دائما خلال العقود الماضية على المواجهة من الظل.

صحيح أن الهجوم الإيرانى غير المسبوق، لم يوقع إصابات كبيرة، وكذلك الرد الإسرائيلى، إلا أنه لا يمكن وضعهما فى خانة العمل المسرحى أو التمثيلية الهزلية، كما أنه بالقدر نفسه لا يمكن اعتبارهما مواجهة حقيقية بين إيران ودولة الاحتلال الصهيونى، بل نستطيع وصفهما بـ«شبه حرب» مخططة بدقة بالغة، بحيث تسمح للطرفين الادعاء بتحقيق انتصار ومكاسب، هما فى أشد الاحتياج إليها، ومن دون التورط فى نزاع واسع ودامٍ يُدخل المنطقة فى سيناريوهات خطرة للغاية.

فالضربة الإيرانية المتمثلة فى إطلاق المئات من الطائرات المسيرة والصواريخ على الكيان الصهيونى، كانت أمرا ضروريا وملحا للغاية، لحفظ ماء وجه طهران بعدما تعرضت للإهانة البالغة جراء استهداف تل أبيب، القنصلية الإيرانية فى العاصمة السورية دمشق، ما أدى إلى مقتل 13 شخصا، من بينهم سبعة من أعضاء الحرس الثورى الإيرانى وستة مواطنين سوريين.

تستطيع إيران بعد هذا الهجوم، الترويج إلى أنها وضعت قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل، غير التى كانت متبعة فيما مضى، والتأكيد على أن «كل من يعتدى على أراضيها سيواجه العقاب»، وأن «عصر اضرب واهرب» قد انتهى، وفق تعبير قائد القوات البرية الإيرانية العميد كيومرث حيدرى.

بإمكان إيران كذلك التفاخر بأنها دولة إقليمية كبيرة وقادرة على الوصول ــ إذا أرادت ــ إلى العمق الإسرائيلى، وأن الكيان الصهيونى لم يستطع الدفاع عن نفسه بمفرده فى تلك الضربة، واضطر إلى الاستعانة بالحلفاء والأصدقاء لإسقاط معظم الصواريخ والطائرات المسيرة التى أطلقت عليه.

أيضا يمكن لطهران التباهى بأن هذه الضربة، لم تؤثر على مصالحها وأذرعها فى المنطقة، كما أنها لم تعرقل أهم مشروع استراتيجى لها، ونعنى بذلك حلمها النووى، الذى بات قريبا من التحقق، وفق تقرير أصدره معهد العلوم والأمن الدولى بالولايات المتحدة، وأكد فيه أن لدى إيران القدرة على تصنيع 6 قنابل نووية خلال شهر، و12 قنبلة فى 5 أشهر.

فى المقابل، تستطيع إسرائيل الادعاء بتحقيق مكاسب عدة جراء تعرضها للهجوم من قبل طهران، أهمها اكتشاف ضعف إمكانات السلاح الإيرانى، ومحدودية تأثيره مقارنة بالسلاح الغربى المتقدم الذى تملكه، وبالتالى لم يكن قادرا على تشكيل تهديد حقيقى لها، بدليل أنه تم اعتراض «99 بالمائة من التهديدات نحو الأراضى الإسرائيلية، وهذا يعد إنجازا استراتيجيا مهما»، وفق تصريح المتحدث باسم جيش الاحتلال.

ويمكن لتل أبيب الادعاء كذلك بأن الهجوم الإيرانى غير المؤثر، ساهم فى إعادة ترميم العلاقات بين الكيان الصهيونى والدول الغربية، بعدما أصابها بعض الفتور، جراء تفاقم جرائم الإبادة الجماعية التى يرتكبها ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة منذ نحو سبعة أشهر، والتى تسببت فى استشهاد وإصابة أكثر من 100 ألف فلسطينى معظهم من النساء والأطفال، وأن «غزة غابت عن العناوين الرئيسية للأخبار ليوم أو يومين على الأقل»، وفقا لتقرير هيئة الإذاعة البريطانية، وهو ما أعطى شريان حياة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، سواء من ناحية تخفيف الضغوط الخارجية عليه لوقف المجازر فى غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين يواجهون خطر الموت جوعا، بسبب الحصار الصهيونى المفروض على القطاع، أو داخليا من خلال التوقف المؤقت للمطالبات برحيله لتسببه فى مقتل الأسرى الإسرائيليين، جراء عرقلته إبرام اتفاق تبادل مع حركة حماس.

تستطيع تل أبيب أيضا تعظيم مكاسبها مما حدث، عبر الادعاء بأن الكيان الصهيونى المحتل للأراضى العربية، لا يمثل تهديدا حقيقيا لاستقرار وأمن المنطقة، وإنما النظام الإيرانى ووكلاؤه فى الإقليم، وبالتالى يجب العمل على بناء تحالف دولى وإقليمى لمواجهتهم، أو على الأقل منح إسرائيل ضوء أخضر لتوجيه ضربة قاصمة لطهران فى الوقت المناسب، لعرقلة خططها فى امتلاك السلاح النووى.

على أى حال، يبدو حتى هذه اللحظة، أن إيران وإسرائيل عبر الهجوم والهجوم المضاد المحدودين، قررتا الاكتفاء بـ«شبه الحرب» هذه، لحفظ ماء الوجه واستعادة الهيبة، والعودة إلى قواعد الاشتباك القديمة المتمثلة فى «حروب الظل»، وعدم الانجرار إلى مواجهة حقيقية تضع المنطقة أمام صراع مفتوح، قد يتحول إلى حرب إقليمية لا تحمد عقباها.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة