x قد يعجبك أيضا

كدب أبيض.. تجربة بصرية فريدة لمشهد سنوات الرصاص وانتفاضة الخبز

الخميس 2 مايو 2024 - 9:30 م

يأتي فيلم "كدب أبيض" للمخرجة المغربية أسماء المدير، الذي عرض بمهرجان مالمو للسينما العربية، ووصل للقائمة القصيرة في المنافسة على الأوسكار، بعد فوزه بجائزة الإخراج بـ"نظرة ما" بمهرجان كان، ليعيد ببراعة مشهد تاريخي واجتماعي أليم، عبر استكشافه الماضي المليء بالأسرار في عائلة المخرجة، مسلطا الضوء على تاريخ المملكة المغربية خلال الفترة التي أطلق عليها "سنوات الرصاص" في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

وفي الأجواء أيضاً قصة اكتشاف العلاقة والرابط بين أحداث احتجاجات ثورة الخبز الأليمة في عام 1981 بالدار البيضاء وقتل فيها عدد من المتظاهرين رميا بالرصاص أو اختناقا في المعتقلات، والحياة المعاصرة في المغرب.

والواقع أن الأسلوب الذي انتهجته المخرجة في معالجة القضية بفيلمها الوثائقي، كان ذكيا في الاختيار، حيث غاصت في مشاهد إنسانية وتساؤلات مشروعة للأب والجدة، وباحت الصورة بالكثير، وربما هذا أعفاها من عيون الرقابة وأعفى المشاهد أيضا من رؤية مشاهد صريحة عنيفة وقاسية، فنحن أمام مرحلة كان فيها، حسب الفيلم، مليئة بالأسرار والأكاذيب.

ونظرًا لعدم توفر صور أرشيفية تؤرخ للحظات، ابتكرت المخرجة آلية ذكية من خلال تصوير نموذج لمنزلها القديم في الدار البيضاء خلال طفولتها، واستخدمت تماثيل شخصية لتصوير ماضي أسرتها وأسرارها، مع صوت راوي هادئ للغاية، فيما كان صوت السرد مرعبًا.

الرؤية السينمائية مميزة بعمقها وتعقيدها، حيث يتم استكشاف الجوانب الشخصية والسياسية ببراعة، وقد أظهر السيناريو بشكل متقن كيف يتداخل الشخصي بالسياق السياسي، حيث تعيش الشخصيات توترًا مستمرًا بين شكوك حول هويتهم الشخصية وذكريات مؤلمة عاشوها في المغرب إبان ثورة الخبز وحقبة قاسية ودموية.

تأخذ بطلة القصة الشخصية الرئيسية، وهي المخرجة نفسها أسماء المدير في رحلة استكشافية تبحث فيها عن الحقيقة والهوية. من خلال كاميرا الفيديو الخاصة بها، تتناول الأسرار والأكاذيب التي اجتمعت حول تاريخ عائلتها الأب والجدة. تظهر هذه الأكاذيب أحداثًا مؤلمة من تلك الفترة، والتي تشهد على انتهاكات حقوق الإنسان.

يتميز الفيلم بأسلوبه البصري الرائع واهتمامه الواضح بأدق التفاصيل لتعزيز التجربة السينمائية وقد لعب تميز المونتاج دورا مهما في بإيقاعه المتزن، وعكس التصوير البيئة المرهقة والمنازل المصغرة المصنوعة يدويًا رموزًا تعبّر عن الذكريات المؤلمة وتحمل معانٍي عميقة حول الماضي والحاضر.

الفيلم يجمع بنجاح بين البعد الشخصي والتاريخي والسياسي بطريقة متقنة ومعقدة، مما أضاف إلى الحكاية عمقاً زاد تأثيرها على الجمهور، حيث تعبّر المخرجة عن تجربتها في تخطي التحديات الشخصية والعائلية لتسليط الضوء على قصة جيل سابق وتأثير السياسة والظروف الاجتماعية على الفرد والعائلة.

وتستكشف المخرجة في هذا الفيلم ماضياً مجهولاً لعائلتها، ونراها تزور منزل والديها في الدار البيضاء لمساعدتهما على الانتقال إلى منزل آخر. ومع بدء فرز الأغراض التي كانت تملكها خلال طفولتها، عثرت على صورة جعلتها تبدأ التساؤل عن الأكاذيب الصغيرة التي أخبرتها بها عائلتها.

يعكس الأسلوب الفني للمخرجة تنوعاً ملحوظاً حيث تمزج بين عدة عناصر متداخلة، وبفضل هذا الأسلوب تتمكن القصة من الانتقال عبر مستويات مختلفة من التفسير والفهم من خلال استخدام الدمى والصور والرموز، وتعبر المخرجة عن إعادة إحياء للقصة التي حاولت عائلتها التعتيم عليها، بمنح الأحداث التاريخية أبعاداً جديدة من خلال تجربة بصرية فريدة في موقع تصوير مصنوع يدوياً يعيد تمثيل حي الدار البيضاء الذي تعيش فيه. تستعين المخرجة الشابة بعائلتها وأصدقائها للمساعدة في حل ألغاز طفولتها المزعجة.

العمل بحق مذهل وملهم يتناول أسرار الأسرة وتاريخ الأمة، ووثيقة مثيرة للذكريات. يأتي نضجه من مقاربة المخرجة الواسعة لتاريخ عائلتها، حيث يتم اختزال الذاكرة والتاريخ حرفياً إلى ألعاب من أجل معالجة الأحداث التي لا توصف والتي يستحضرها.

كان "كذب أبيض" فرصة أتاحها مهرجان مالمو لأشاهد أحد أهم الأفلام الوثائقية، ضمن اختيارات واعية للسينما العربية في مسابقة الأفلام الطويلة.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة