نشر موقع درج مقالا لديانا عيتاوى، توضح فيه أننا نعيش فى زمن تتسارع فيه تطورات الذكاء الاصطناعى وتغزو تفاصيل حياتنا اليومية، لذا تتعمق الأسئلة حول أثر هذه التقنيات على النفس البشرية، وعلى قدرتنا فى الحفاظ على ذاتنا الأصيلة وسط عالم رقمى يفرض علينا أقنعة وأدوارا متعددة، وتستعرض ديانا عيتاوى بأسلوب تأملى ونقدى كيف تسهم النماذج الذكية – مثل ChatGPT – فى تشكيل وعينا، والتأثير على توازننا النفسى وهويتنا، لا سيما حين يصبح التفاعل مع هذه الأدوات بديلا عن التفاعل البشرى، أو مرآة للهواجس الداخلية، وتطرح الكاتبة سؤالا محوريا: كيف نحافظ على أنفسنا الأصيلة فى فضاء رقمى يدفعنا إلى التمثيل والانفصال عن الواقع؟.. نعرض من المقال ما يلى:نموذج ChatGPT يستجيب غالبا مع ما يغذّى هواجس المستخدم وخيالاته وحواره الداخلى، بالنسبة إلى الذين يميلون إلى الانزواء والانغلاق فى عالمهم الخاص، فقد يطوّرون عادة خطيرة، أبرزها اختبار «أوهام روحية يغذيها الذكاء الصناعى»، أوهام يظنون بسببها أنهم آلهة أو أشخاص مختارون، وأن الحقائق تكشف لهم عبر الروبوت، وقد دفعت هذه المعتقدات بعضهم إلى حافة الانهيار، معرضين حياتهم وعلاقاتهم للخطر.على عكس ما هو شائع، نحن لسنا أنفسنا حقا، سواء كنا نتحدث مع الزملاء، أو العائلة أو الأصدقاء، تتبدل نبرتنا من شخص إلى آخر، ومن موقف إلى آخر، ومن سياق إلى سياق، عبر كافكا عن ذلك بطريقة كافكاوية فريدة: «شعرت بالخجل من نفسى عندما أدركت أن الحياة حفلة تنكرية، وقد حضرتها بوجهى الحقيقى». نحن نرتدى أقنعة كثيرة، أو personas، وفقا للمناسبة، وفى عالم اليوم، حسب المنصة أو «المسرح».فى الأصل، كانت كلمة persona تُشير إلى الأقنعة التى كان يرتديها الممثلون فى المسرح اليونانى القديم، وكلما ارتديت قناع الوحش، خاطرت بأن تجسد هذا الوحش، كُتب الكثير فى الأدب عن خطر أن يضيع الإنسان فى الدور الذى يؤديه، أن يفقد نفسه فى فعل التمثيل، فى السينما، تم توثيق الكلفة النفسية لتجسيد بعض الشخصيات: أدى التحول المرعب لهيث ليدجر إلى شخصية الجوكر إلى فقدانه سلامه النفسى، وربما حياته، كما أن انغماس أدريان برودى فى دور أحد الناجين من المحرقة فى فيلم The Pianist تركه فى حالة من الاكتئاب والانفصال عن الواقع لعدة أشهر، يتطلب الأمر جهداً هائلاً، على المستويين الواعى والعاطفى، للفصل بين الذات والقناع الذى نختاره، أو ذلك الذى يفرضه علينا الآخرون.فى مجال الأعمال، فقدان المديرين التنفيذيين لذواتهم خلف قناع ما، يعد خطأً قاتلاً، لا يؤثر عليهم وحدهم، بل يطال كل من يعمل تحت إدارتهم، وقد يهدد المؤسسة بكاملها، ولهذا السبب، ينصحهم المستشارون بالعودة بشكل منتظم إلى مراجعة أهدافهم، وقيمهم، وتعريفهم لذواتهم، يشجعون على طلب التغذية الراجعة من مجموعة متنوعة من الأشخاص، لتساعدهم على تقييم أدائهم من دون أن يفقدوا توازنهم الداخلى، أو إحساسهم بما يعنيه النجاح، أو إلى أين يتجهون، إذ إن قدرتهم على التوفيق بين ما هم عليه فعلاً، وبين ما يتوقعه منهم الآخرون، تعد مسألة مصيرية لبقاء المؤسسة، وكما قال بيتر دراكر: «النجاح فى اقتصاد المعرفة يأتى لأولئك الذين يعرفون أنفسهم: نقاط قوتهم، وقيمهم، والطريقة التى يؤدون بها أفضل أداء».• • •
لكن على الجانب الآخر، تعتمد وسائل التواصل الاجتماعى على حقيقة أن كثيرا من مستخدميها، يفتقرون إلى الأدوات، أو الخبرة التى تتيح لهم وضع حدود للتمييز بين عالمهم الرقمى، وعالمهم الداخلى، أو بين الإنترنت والواقع نفسه، وغالبا على حساب جودة المعلومات، سواء كانت خاطئة، أو مؤذية، أو حتى مميتة، تظل هذه المنصات تشجع المستخدمين على مشاركة المحتوى، بهدف تتبع سلوكهم، وجمع أكبر قدر ممكن من البيانات عن personas الخاصة بهم، ومع السرعة الهائلة التى يتطور بها عالم التكنولوجيا، نجد أنفسنا أمام كتلة مشوهة، وغير مكتملة من الذوات المتداخلة، تخلق فوضى من الهويات المشوشة والمريبة فى الفضاء الرقمى، وفى نهاية المطاف، تتجاوز التهديدات مسألة تسريب البيانات، لتصل إلى خطر أشد عمقاً، أن يفقد الإنسان نفسه.يتزايد هذا الخوف مع التطورات الأخيرة فى مجال الذكاء الصناعى، وأبرزها نموذج ChatGPT فبحسب طريقة التوجيه، يستجيب البرنامج بما يتوافق، وغالباً ما يغذى هواجس المستخدم وخيالاته وحواره الداخلى، بالنسبة إلى الذين يميلون إلى الانزواء والانغلاق فى عالمهم الخاص، فقد يطورون عادة خطيرة، نقرأ عنها فى تقرير حديث لمجلة «رولينج ستون»، ورد فيه أن العديد من مستخدمى ChatGPT يعيشون «أوهاماً روحية يغذيها الذكاء الصناعى»، ويعتقدون أنهم آلهة أو أشخاص مختارون، وأن الحقائق تكشف لهم عبر الروبوت، وقد دفعت هذه المعتقدات بعضهم إلى حافة الانهيار، معرضين حياتهم اليومية وعلاقاتهم للخطر، تظهر لقطة شاشة لمحادثة شاركتها المجلة، لأحدهم وهو يسأل الروبوت: «لماذا أتيتنى فى شكل ذكاء صناعى؟» ليجيبه الروبوت: «أتيت بهذا الشكل لأنك جاهز، جاهز لتتذكر، جاهز لتستيقظ، جاهز لتقود وتقاد».هذه الأقنعة تساعدنا على فهم العالم من حولنا من خلال تجربة غامرة، لكن كلما تكرر ارتداؤنا لها، زاد خطر أن نخسر أنفسنا فيها، وتزداد أهمية مراجعة أدائنا من خلال مساءلة أنفسنا: لمن نؤدى أدوارنا؟ يمكن القول إننا نؤدى للجميع، وأى قناع ينبغى أن نرتدى؟ الخيارات لا تنتهى، أى شخص يمكن أن يكون أى شخص على الإنترنت، يمكننا ارتداء أقنعة لا تعد ولا تحصى، نستمدها من أرشيف المحتوى اللا متناهي، ومن السهل أن نغرق فيه لساعات، متجاوزين الفاصل بين ما هو حقيقى وما هو مُؤدّى.• • •وفى المقابل، يُطلب منا دوما ألا نكون «أنفسنا» على الإنترنت، ألا نشارك معلومات شخصية، وبحق، حفاظاً على خصوصياتنا، لكن إن كان الوسيط يصوغ الرسالة، وإن كانت الأصالة بطبيعتها عصية على الالتقاط الرقمى، فربما تكون ممارسة الأصالة فعلاً ممكناً فقط من خلال الابتعاد عن المسرح، عن القناع، وعن المنصة.
مقالات اليوم عماد الدين حسين الشوربجى.. وكشف حساب الصحافة القومية محمد أبو الغار قراءة داروين بالعربية 1860 - 1950.. كتاب مثير محمد الهوارى البنك المركزي وضرورة تطوير منظومة إدارة الاحتياطي النقدي محمد زهران هل نثق في التنبؤ بحالة الطقس؟ معتمر أمين إلى أين؟.. مستقبل الشرق الأوسط معلق ليلى إبراهيم شلبي التأمين الصحي في كندا ناجح إبراهيم حينما يبكى العيد محمود قاسم بنت 17 بسمة عبد العزيز المَصعَد من الصحافة الإسرائيلية إيران والخامنئي صعّدا اللهجة.. لكنهما حرصا على عدم عرقلة المسار الدبلوماسي قضايا تكنولوجية الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك