x قد يعجبك أيضا

إيران والخامنئي صعّدا اللهجة.. لكنهما حرصا على عدم عرقلة المسار الدبلوماسي

الجمعة 6 يونيو 2025 - 8:10 م

«مَن أنتم لتقولوا لإيران إذا كان يمكنها امتلاك برنامج نووى، أم لا؟» صرخ المرشد الأعلى الإيرانى على الخامنئى الأربعاء الماضى فى مراسم إحياء الذكرى السادسة والثلاثين لوفاة آية الله الخمينى.

وقال: «حتى لو امتلكنا مائة مفاعل نووى لإنتاج الكهرباء، من دون إمكان تخصيب اليورانيوم، فلن يكون لها أى فائدة بالنسبة إلينا»، موضحًا أن «هذا يعنى أننا سنضطر إلى مدّ يدنا إلى أمريكا». وأضاف مشددا على الموقف الأيديولوجى الرافض للمقترح الأمريكى: أن هذا المقترح «يعارض بنسبة مائة فى المائة المبدأ الذى نؤمن به، وهو: نحن نستطيع».

«نحن نستطيع»، هو شعار أطلقه الخمينى، ويعكس فلسفة كاملة تعتمد عليها استقلالية إيران.

فُسّرت تصريحات الخامنئى بأنها رفضٌ قاطع للمقترح الأمريكى، أو على الأقل، طريقة فهم المقترح، والتى يريد أن يفهمها العالم.

لكن التفسير الدقيق لتصريحاته ضرورى، وخصوصًا أن الخامنئى كثيرًا ما تراجع عن تصريحات بدت فى البداية كأنها أوامر نهائية لا يمكن نقضها، ثم تبيّن لاحقًا أن «الصخور نفسها قد تكون مرنة كالـمطاط». ففى الصيف الماضى، قال إن «لا ضرر من التفاوض مع الغرب»، وبعد فترة قصيرة، صرّح بأن «التفاوض مع الأمريكيين لا ينطوى على أى كرامة، أو حكمة»، ومع ذلك، سمح بإجراء مفاوضات أُنجز فيها خمس جولات حتى الآن. وحتى فى خطابه الأخير، لم يستبعد استمرار العملية الدبلوماسية.

لدى التمعن أكثر فى أقواله، نلاحظ أنه لم يحدد نسبة تخصيب اليورانيوم التى تُرضى إيران. هل النسبة 3.67% التى سُمح بها فى الاتفاق النووى الأصلى كافية له؟ أم أن إيران تصرّ على تخصيب غير محدود؟

أجاب وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى عن هذا السؤال فى وقت سابق، قائلاً إن إيران ستكون مستعدة للعودة إلى نسبة التخصيب المتفق عليها، بشرط رفع جميع العقوبات. ومع ذلك، ترك الخامنئى هذه المسألة الحساسة مفتوحة، وهى مرشحة لأن تكون محور الجولة السادسة من المفاوضات بين الوفدين الأمريكى والإيرانى، وخصوصًا فيما يتعلق بمصدر اليورانيوم المخصّب الذى تحتاج إليه إيران.

ويبدو كأن حل هذه الإشكالية لا يتعلق فقط بالجوانب التقنية، أو بالنسبة المتفق عليها، بل يجب أن يتماشى مع المبدأ الأيديولوجى الذى يُقدّس الاستقلال الذاتى الإيرانى، ويُجيب عن الشعار الخمينى «نحن نستطيع».

إن تفاصيل المقترح الأمريكى غير معروفة بالكامل، كما أن تصريح الخامنئى لا يُعدّ ردًا رسميًا من إيران على المقترح. وفى المقابل، تدل التقارير التى تفيد بأن المقترح يشمل مشاركة إيران فى كونسورتيوم إقليمى لتخصيب اليورانيوم، على أن الإدارة الأمريكية تدرك الحاجة إلى إرضاء المتطلبات الأيديولوجية الإيرانية، وتُبدى استعدادًا للتقارب.

وفقًا لفكرة الكونسورتيوم، التى كُشف عنها أول مرة فى موقع «أمواج» المتخصص فى تغطية شئون إيران والعراق، ستُنشئ أربع دول - السعودية، الإمارات، قطر، تركيا - موقعًا مشتركًا لتخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية تحت رقابة مشددة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسيغطى حاجات جميع الدول الأعضاء.

هذا المشروع ناقشته السعودية والإمارات مع إيران التى أبدت استعدادًا مبدئيًا للمشاركة، «لكن كونسورتيوم كهذا لا يمكن أن يحلّ مكان التخصيب داخل الأراضى الإيرانية»، حسبما صرّح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائى، يوم الإثنين الماضى.

نظريًا، يمكن التوصل إلى حلّ عبر إعلان موقع التخصيب داخل إيران، كمنطقة «إكس - تريتوريا» (خارج السيادة)، تعمل تحت إشراف دولى يتم التوافق عليه، وهو ما قد يلبّى مطلب ترامب بشأن عدم التخصيب داخل إيران، ومطالب إيران بإجراء التخصيب على أرضها.

• • •

إن التركيز على إيجاد موقع للتخصيب لا يعنى أن بقية القضايا حُلّت. فلا يزال هناك مسائل عالقة، مثل التخلص من مخزون اليورانيوم المخصّب الذى أنتجته إيران منذ سنة 2019؛ ترتيبات الرقابة، بعد أن طردت إيران بعض مفتشى الوكالة الدولية؛ عدم تسليم تسجيلات الكاميرات؛ المواقع غير المعلنة التى عُثر فيها على آثار تخصيب؛ مستقبل أجهزة الطرد المركزى التى تتجاوز الحد المسموح به فى الاتفاق الأصلى؛ وأيضًا مدة الاتفاق الجديد وصلاحيته.

ثمة أمر آخر مهم، لقد أعلنت إيران أنها مستعدة للعودة إلى التزاماتها فى الاتفاق الأصلى، إذا رُفعت كلّ العقوبات، لكن هذه الموافقة قد لا تكون كافية للرئيس ترامب الذى يريد الإثبات أن الاتفاق «الخاص به» أفضل من اتفاق أوباما. وبالتالى، فإن أى اتفاق مستقبلى سيحتاج إلى تحقيق «نصر رمزى» للطرفين - إيران وترامب.

فى الوقت ذاته، الجدول الزمنى يضغط، ليس فقط بسبب التهديدات العلنية بالحرب التى يحاول ترامب تفاديها، بل أيضا لأن الدول الأوروبية التى وقّعت الاتفاق النووى تطالب بأن تكون جزءًا من أى اتفاق جديد، وتهدد بتفعيل «بند سناب ــ باك» الموجود فى الاتفاق الأصلى.

هذا البند يتيح لأى دولة موقّعة للاتفاق أن تطلب من مجلس الأمن إعادة فرض جميع العقوبات الدولية، إذا ثبُت أن إيران انتهكت الاتفاق جوهريًا. والموعد النهائى لتفعيل هذا البند هو 18 أكتوبر القادم، أى بعد أربعة أشهر فقط، لكن الأمر يتطلب إشعارًا مسبقًا بـ 90 يومًا ــ أى أن المهلة تبدأ فى الشهر المقبل.

يجب التذكير بأن ترامب نفسه طلب فى السابق تفعيل هذا البند، بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق فى سنة 2018، لكن الدول الأوروبية رفضت طلبه، بحجة أن أمريكا لم تعد طرفًا فى الاتفاق، وبالتالى لا يحق لها المطالبة بذلك. الآن، يُمثل هذا البند تهديدًا محتملًا لتنفيذ أى اتفاق جديد قد يوقّعه ترامب مع إيران.

تسفى برئيل

هاآرتس

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة