لأول مرة منذ نحو ٥ سنوات قرر البنك المركزى المصرى خفض أسعار الفائدة بعد أن ثبتها لسبع مرات متتالية.
السؤال: ماذا يعنى قرار لجنة السياسات النقدية تخفيض أسعار الفائدة، مساء الخميس الماضى، بنسبة ٢٫٢٥٪ إلى ٢٥٪ و٢٦٪ و٢٥٫٥٪ على الترتيب، كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم إلى ٢٥٫٥٪.
قد لا يكون المواطن العادى مهتمًا بمثل هذه القرارات وربما لا يقرأها فى حين أنها تؤثر بشكل كبير على مجمل النشاط الاقتصادى، وبالتالى على مستويات معيشته.
المهتمون والمتابعون يعرفون أن البنك المركزى رفع أسعار الفائدة بنسبة ١٩٪ منذ مارس عام ٢٠٢٢ حتى مارس ٢٠٢٤، والمعلوم أن آخر مرة شهدت خفضًا لأسعار الفائدة كانت فى ١٢ نوفمبر ٢٠٢٠ بنسبة ٠٫٠٥٪.
وخلال عام ٢٠٢٤ فإن البنك المركزى عقد ثمانية اجتماعات للجنة السياسات النقدية وأبقى خلال ٦ اجتماعات منها على سعر الفائدة دون تغيير، بعدما كان قد رفعها خلال اجتماعى فبراير ومارس الماضيين بمجموع ٨٪.
نعود إلى السؤال الأساسى، وهو: ماذا يعنى قرار المركزى خفض أسعار الفائدة؟
باختصار شديد يعنى أن التضخم يتراجع، وهناك فرصة لتشجيع الاستثمار لكن أصحاب المعاشات، وكل من يعتمد على عائد الشهادات سوف يتأثرون إلى حد ما.
منذ عام ٢٠٢٠ وتفشى وباء كورونا ثم اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية مطلع عام ٢٠٢٢ اتجه البنك المركزى إلى ما يُعرف بسياسة «التشديد النقدى»، وهى ببساطة تعنى رفع أسعار الفائدة على الودائع بالجنيه المصرى لتحقيق عدة فوائد أولها امتصاص السيولة الموجودة بالأسواق لتقليل التضخم وثانيًا دفع المصريين حائزى العملات الأجنبية خاصة الدولار لتحويلها إلى الجنيه للحصول على الفائدة المرتفعة، فى حين تستفيد الدولة من العملات الأجنبية فى استيراد السلع الأساسية.
ويرتبط بالنقطة الأخيرة جذب «الأموال الساخنة» خصوصًا صناديق الاستثمار الأجنبية الكبرى وكبار المستثمرين الدوليين إلى الاستثمار فى أدوات الدين المصرية، وذلك عبر تقديم أموالهم بالعملات الأجنبية للجهاز المصرفى المصرى وتغييرها إلى الجنيه وإيداعها فى شهادات أو سندات وأذون الخزانة أى أدوات الدين بنسبة فائدة مرتفعة وصلت إلى أكثر من ٢٧٪، وبعد فترة معينة قصيرة يقومون بالحصول على الفائدة وأصل ودائعهم بالدولار مرة أخرى والمغادرة.
الأموال الساخنة كانت تحل مشكلة كبيرة، وهى سد الفجوة الدولارية والمقدرة بحوالى ٢٠ - ٢٥ مليار دولار سنويًا، لكن مشكلتها أنها قد تغادر فى أية لحظة أو مع أى مشكلة، والدليل على ذلك أنه، خلال الأسبوع الماضى فقط، أفادت تقارير صحفية بخروج ٣ مليارات دولار من الأموال الساخنة، بسبب اضطرابات الاقتصاد العالمى الناتجة عن قرارات الرئيس الأمريكى الهوجاء بفرض رسوم جمركية متباينة على أكثر من ٢٠٠ دولة ثم تجميدها لمدة ٩٠ يومًا، مع الإبقاء على رسوم جمركية على الصين بسبة ١٢٥٪ والتهديد برفعها إلى ٢٤٥٪!
إذن رفع الفائدة كان يفيد فى محاربة التضخم وجذب العملات الأجنبية إلى السوق المصرية، لكنه من ناحية أخرى يؤدى إلى توجيه ضربة قاضية إلى الاستثمار المحلى، لأنه سيجعل سعر فائدة الاقتراض مرتفعة جدًا، وبالتالى فإن غالبية الناس خصوصًا المستثمرين سيفضلون إيداع أموالهم ومدخراتهم فى البنوك والحصول على عائد مرتفع، بدلًا من المخاطرة فى استثمار قد لا يدر العائد المناسب خصوصًا فى ظل الاضطرابات السياسية والعسكرية والاقتصادية فى الأسواق الإقليمية والدولية.
خفض سعر الفائدة الأخير ما كان ليتم لولا بدء تراجع معدل التضخم السنوى بفعل ما يُعرف بتأثير سنة الأساس. والمتوقع أن يكون خفض سعر الفائدة مؤشرًا جيدًا على أن الصعوبات الاقتصادية بدأت تتراجع ومعدل التخضم بدأ فى الانخفاض، وبالتالى فهناك فرصة جيدة للمستثمرين لكى يذهبوا إلى البنوك، ويحصلوا على قروض من أجل إقامة مشروعات جديدة أو التوسع فى مشروعات قائمة، وهو ما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطنى، ويوفر فرص عمل أكثر، ويجذب استثمارات أجنبية حقيقية، وليست نظرية أى تلك التى توفر فرص عمل حقيقية ومستدامة.
السؤال الآخر: هل هناك من يتضرر من خفض سعر الفائدة؟
الإجابة نعم وهم من يضعون مدخراتهم للحصول على عائد مرتفع خصوصًا أصحاب المعاشات، وغالبية هؤلاء يسألون الآن عن مصير شهادات الـ٢٧٪، وهل تنخفض أم تبقى كما هى؟
وتلك قصة تستحق مزيدًا من النقاش، إضافة إلى مصير «الأموال الساخنة»، وهل تستمر أم تبحث عن أسواق جديدة فائدتها مرتفعة؟!