x قد يعجبك أيضا

القيم والسلوكيات الجديدة لحماية المشروع النهضوى العربى

الأربعاء 13 أغسطس 2025 - 7:10 م

فى المشروع النهضوى العربى بمكوّناته الست-الوحدة العربية والاستقلال الوطنى والقومى والديمقراطية والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والتجدد الحضارى- والتى طرحها ويطرحها الإصلاحيون كمقترحات تكوينية ضرورية لأيديولوجية عروبية تغييرية شاملة، هناك حاجة ملحة مفصلية للإشتراط وللتأكيد بأن كل تلك المكونات ستكون معرضة للانحراف والتراجعات إن لم تحكم تطبيقاتها فى الواقع مرجعية أخلاقية وقيمية وسلوكية مجتمعية سامية ومتجدّدة مرنة.

 

وبالطبع، فإن هذا الشرط مرتبط أشدّ الارتباط بالشعار السادس، شعار التجدّد الثقافى والحضارى.

لنبدأ أولًا برسم الصورة للجوانب البائسة فى الأخلاق والقيم والسلوكيات التى تهيمن على حياة الفرد والجماعات فى المجتمعات العربية الحالية، والمراد إحلال الجديد محلّها. وهى صورة تحليلية نقدية صادقة لا تجامل ولا تخاف القفز إلى التغيير التجديدى.

بعض ما ورثناه من إرثنا القيمى والسلوكى المشوّه أو المتلاعب به بعد انطفاء وهج وحيوية حضارتنا العربية الإسلامية. وهو كثير ويستوعب المجلدات، ولذا سنذكر المهم الشديد الضرر منه بإيجاز شديد.

أولًا، إن بعضها قيم قبلية وعشائرية غير حميدة قد تتعارض مع الدين أو القومية، وبعضها قيم مذهبية طائفية تعصبية، وبعضها قيم عائلية أبوية تسلّطية مهيمنة على الأطفال والإناث، وبعضها قيم فكرية تعلى من الخرافة والنزعات الغيبية وعدم التسامح وتقديس التراث وتدعو إلى الانكفاء إلى الأصول كحقائق مطلقة مقدسة وبالتالى تمارس الجمود الفكرى، وبعضها قيم وسلوكيات اجتماعية تحتقر العمل والنظام وحمل المسئولية، وبعضها قيم عرقية تخاف وتحذر من الهويات الثقافية المشتركة الجامعة، وبعضها قيم دينية تعلى المزيد من ممارسة الشعائر الطقوسية دون أن تؤكد أن قيمة ممارستها لا تكتمل إلا إذا تمت جنبًا إلى جنب مع العيش اليومى للقيم الأخلاقية الكبرى الإسلامية التى تسمو بالإنسان وتزكّيه وتغنى وتحكم الحياة الثقافية والعلاقات الاجتماعية.

إنها قيم ما زالت مغروسة فى المجتمعات العربية وفى الشخصية العربية.

ثانيًا، ما تجمّع من قيم حداثية مشوّهة نتيجة إحتكاك الوطن العربى بالحضارة الغربية عبر القرنين الماضيين. ولقد ساعد فى ذلك ممارسة التقليد الثقافى والاجتماعى للغرب دون ممارسة للنقد الندّى ودون القدرة على الانتقاء العقلانى المتوازن، وبالتالى دون السقوط فى عادة تقديس كل مكونات حضارة الحداثة الغربية. ولقد نجم عن كل ذلك تبنى قيم وسلوكيات الفردانية المفرطة فى الانغلاق على ذاتها، والانغماس فى الغرائز المادية وغير الأخلاقية، والتفكّك الكبير فى العلاقات الأسرية والمجتمعية، وإعلاء عيش الحياة الاستهلاكية النّهمة، بل أحيانًا تبنّى المقولات الاستشراقية الاستعمارية الكاذبة عن الشخصية العربية والدين الإسلامى وتاريخ العرب. نحن إذن أمام واقع قيمى وسلوكى بالغ الحاجة لمراجعته ونقده والتخلّى عن كثير منه، وهو ما سيستدعى عمليات إصلاح فكرية وسلوكية عميقة كبيرة سنحاول تسليط الضوء على بعض منها، ومن ثم تسليط الضوء على القوى والجهات والمؤسسات التى ستقوم بذلك. ذلك أننا أمام مشهد معقد التركيب، ممتد عبر القرون، ومرتبط بمصالح سياسية ودينية واجتماعية متنفّذة، ومترسخ فى النفسية الفردية والجمعية العربية.

لذلك فإن مواجهة ذلك المشهد لن تجديه جهود فردية إصلاحية متناثرة ومتباعدة، كما حصل خلال القرنين الماضيين وكما حاول القيام بها فى الحقل الإسلامى الثقافى مفكرون إصلاحيون أفذاذ من أمثال الشيخ محمد عبده والكواكبى ومالك بن نبى وعبدالكريم سروش وطه عبدالرحمن وعبدالله العروى ومحمد عابد الجابرى وحسن حنفى وعلى الوردى وغيرهم كثيرون، والذين سنبرز بعضًا مما قالوه فى مقالات قادمة.

وبالطبع يماثل هؤلاء الألوف من المفكرين الذين تعاملوا مع القسم الثانى من المشهد المتعلق بالتفاعل العربى مع قيم حضارة الغرب.

المهم أن ينقلب كل ذلك الفكر الإصلاحى إلى تيار مجتمعى كبير ينادى بتلك الإصلاحات ويسعى إلى إقناع الملايين بها، لتصبح فى النهاية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.

والأهم هو أن ترسخ تلك الإصلاحات القيمية والسلوكية الجديدة فى ذهن ونفسية الفرد العربى منذ طفولته فى العائلة، مرورًا بالمدرسة والجامعة وبمؤسسات الثقافة والإعلام والدين، أى طيلة حياة الإنسان العربى.

تلك مهمة هائلة تحتاج إلى أن تسير جنبًا إلى جنب مع تحقق المشروع النهضوى العربى لتحميه من أى انتكاسة أو تشويه كما حصل له فى الماضى القريب.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة