x قد يعجبك أيضا

فصل الخطاب فيما بين الأشقاء من اضطراب

الأحد 10 أغسطس 2025 - 8:20 م

من فترة لأخرى، تطفو على السطح خلافات تصل إلى حد التراشق بين العرب وبعضهم البعض، وتتحول مواقع التواصل الاجتماعى إلى ساحات معارك، يحشد فيها كل طرف ما يمتلك من مخزون معرفى، مشوَّه فى أغلبه، لمواجهة الطرف الآخر.

وفى هذا، لا فرق بين مواطنين من بلدان المشرق العربى أو مغربه؛ فالجميع تتحول نقاشاتهم إلى حرب كلامية تُستخدم فيها كل أنواع البذاءات التى تحط من قدر من يطلقها قبل أن تطال المستهدف منها.

والسؤال: من المستفيد من تعميق الخلافات بين الدول العربية؟

بالطبع، أول وأكثر المستفيدين من ذلك هم أعداء العرب مجتمعين كانوا أو متفرقين، وهذا أمر لا يحتاج إلى عظيم جهد. ويمكننا بسهولة اكتشاف من يختلق هذه الخلافات ويعمقها، بتتبع حلقات الحسابات المسئولة عن ترويجها وتزكيتها على مواقع التواصل الاجتماعى، لنتأكد من أن الأمر لم يكن صدفة فى أى من المرات السابقة، ولن يكون ــ دون شك ــ فى المرات المقبلة.

صحيح أن ما يسهم فى تزكية هذه الخلافات هو تنامى الشعور الشوفينى، وهو الاعتقاد المُغالَى فيه بالتعصب للوطن أو الإقليم والتعامل بعنجهية تجاه الآخر، وهو داء عضال اتسع نطاق المصابين به فى العقود الأخيرة جراء ما تتعرض له الأقطار العربية من حروب داخلية وخارجية تستهدف بنية الدول الوطنية، وتنحط بها إلى مرحلة ما دون الدولة، وهو داء لم يسلم منه أحد، بكل أسف.

لكن، ورغم ذلك، فأصابع الاتهام فى هذه القضية الشائكة لا بد أن توجه أولاً إلى العدو المشترك والرئيسى لكل البلدان العربية، وهو إسرائيل، وفى هذا لا فرق بين دولة أقامت علاقات مع إسرائيل وأخرى ما تزال ترفع راية رفض التطبيع معها.

كما أنها لا بد أن توجه ثانيًا إلى الجماعات والتنظيمات التى لا تعترف بالأوطان وتراها «مجرد حفنة من تراب عفن»، وترى أن هدم مفهوم الدولة الوطنية والقضاء على مؤسساتها هو السبيل الوحيد لبسط نفوذها الحركى والتنظيمى.

كما أنها لا بد أن توجه ثالثًا إلى الجماعات والأفراد المؤمنين بمفهوم «الأناركية»، وهم الرافضون لأى سلطة أو مؤسسة، ويرون فيها تعبيرًا سلطويًا لا بد من هدمه والقضاء عليه.

إن الفرق الثلاث، وإن اختلفت معتقداتهم وتنوعت مواقفهم ورؤاهم، فإنهم يتفقون على ذات المبدأ الذى يستهدف بنية مؤسسات الدول الوطنية، وبالطبع يرون أن إنهاك الدول العربية بتعميق الخلافات فيما بينها، سواء على المستوى الرسمى أو الشعبى، هدفٌ فى حد ذاته.

وأنا هنا لا أستبعد مطلقًا وجود منافسات بين بعض الدول العربية والبعض الآخر، ولا أنكر أن سباق التقدم والفوز بالبقاء فى صدارة المشهد بين البلدان العربية قد اشتد فى السنوات الأخيرة، ولكن حتى هذا الأمر يجب أن يبقى فى حدود المنافسة من أجل الأفضل، ويجب أن يُنظر لتفوق دولة عربية فى مجال ما باعتباره إضافة ينبغى الاستفادة منها لتصب فى مصلحة الجميع، وينبغى أن تُحسب نقاط القوة لدى أى دولة عربية إلى مخزون استراتيجى يستفيد منه بقية الدول.

إن الخلافات العربية ــ العربية قديمة قِدم ظهور أمة العرب فى هذه الأرض التى دعا لها سيدنا إبراهيم بأن تكون بلدًا آمنًا وأن يرزق أهلها من الثمرات، ويسجل التاريخ وقائع عديدة دفع العرب خلالها ثمن خلافاتهم ومعاركهم، ولم يستفد منها سوى أعدائهم. حدث هذا فى طورهم القبلى، واستمر حين استقامت لهم دولة، فإمبراطورية لا تغرب الشمس عن أرضها، فكانت الخلافات العربية ــ العربية سببًا فى انهيارها وأفول نجمها. إن التاريخ يشهد بأن قوة العرب تظهر حين تتوحد كلمتهم، حتى وإن اختلفت آراؤهم وتباينت أفكارهم.

وما أحوجنا فى هذه الفترة العصيبة إلى توحيد الكلمة ونبذ الخلافات والتصدى لمروجى الفتن ومشعلى الحرائق من حولنا.

ليس مطلوبًا أن تتطابق رؤانا، لكن المهم ألا يعيق التباين فى وجهات النظر الاتفاقَ على أهمية تنسيق المواقف، لقطع الطريق على من يريد أن تتشتت الكلمة وتتعمق الخلافات، فيخسر الجميع إلا أعداؤنا.

مطلوب إبداع فكرى يعيد الاعتبار للعمل العربى المشترك دون الدخول فى سجالات نظرية تعرقل تحركاتنا لمواجهة أعدائنا، وهذا أضعف الإيمان.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة